الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون .

قوله تعالى فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا فيه قولان ; أحدهما : أنه من النسيان الذي لا ذكر معه ; أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين . والآخر : أن نسيتم بما تركتم ، وكذا إنا نسيناكم . واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال : [ ص: 92 ] ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره . وأنشد [ النابغة الذبياني ] :


كأنه خارج من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد



أي تركوه . ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة . قال الضحاك : نسيتم أي تركتم أمري . يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم . نسيناكم تركناكم من الخير ; قاله السدي . مجاهد : تركناكم في العذاب . وفي استئناف قوله : إنا نسيناكم وبناء الفعل على ( إن ) واسمها تشديد في الانتقام منهم . والمعنى : فذوقوا هذا ; أي ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم بسبب نسيان الله . أو ذوقوا العذاب المخلد ، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم . وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما ، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم . قال عمر بن أبي ربيعة :


فذق هجرها إن كنت تزعم أنها     فساد ألا يا ربما كذب الزعم



الجوهري : وذقت ما عند فلان ; أي خبرته . وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها . وأذاقه الله وبال أمره . قال طفيل :


فذوقوا كما ذقنا غداة محجر     من الغيظ في أكبادنا والتحوب



وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء . وأمر مستذاق أي مجرب معلوم . قال الشاعر :


وعهد الغانيات كعهد قين     ونت عنه الجعائل مستذاق



والذواق : الملول .

التالي السابق


الخدمات العلمية