الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني

                                                                      1635 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه قال أبو داود ورواه ابن عيينة عن زيد كما قال مالك ورواه الثوري عن زيد قال حدثني الثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 34 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 34 ] ( عن عطاء بن يسار ) : تابعي جليل ، مرسل وقد وصله المؤلف وابن ماجه والحاكم من طريق معمر عن زيد بن أسلم كما سيأتي ( لغني ) : لقوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( إلا لخمسة ) : فتحل لهم وهم أغنياء لأنهم أخذوها بوصف آخر ( لغاز في سبيل الله ) : لقوله تعالى : وفي سبيل الله أي لمجاهد وإن كان غنيا أو الحج ، واختاره محمد بن الحسن من الحنفية ( أو لعامل عليها ) : أي على الصدقة من نحو عاشر وحاسب وكاتب لقوله تعالى : والعاملين عليها وبينت السنة أن شرطه أن لا يكون هاشميا ، قيل ولا مطلبيا ( أو لغارم ) : أي مدين مثل من استدان ليصلح بين طائفتين في دية أو دين تسكينا للفتنة وإن كان غنيا . قال الله تعالى : والغارمين بشروط في الفروع ( أو لرجل ) : غني ( اشتراها ) : أي الصدقة ( بماله ) : من الفقير الذي أخذها ( أو لرجل ) : غني ( جار مسكين ) : المراد به ما يشمل الفقير ( فأهداها ) : الصدقة ( للغني ) : فتحل له لأن الصدقة قد بلغت محلها فيه .

                                                                      وقوله : وله جار خرج على جهة التمثيل فلا مفهوم له فالمدار على إهداء الصدقة التي ملكها المسكين لجار أو لغيره ، وفي حديث إهداء بريرة ما تصدق به عليها إلى عائشة قوله - صلى الله عليه وسلم - : هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية كما عند الشيخين وغيرهما ، وكذلك الإهداء ليس بقيد ففي رواية لأحمد وأبي داود كما سيأتي : أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك . قال ابن عبد البر : هذا الحديث مفسر لمجمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ، وأنه ليس على عمومه . وأجمعوا على أن الصدقة المفروضة لا تحل لغير الخمسة المذكورين . قال الباجي : فإن دفعها لغني لغير هؤلاء عالما بغناه لم تجزه بلا خلاف ، فإن اعتقد فقره فقال ابن القاسم يضمن إن دفعها لغني أو كافر ، وأما صدقة التطوع فهي بمنزلة الهدية تحل للغني والفقير . ذكره الزرقاني في شرح الموطأ .

                                                                      [ ص: 35 ] قال الخطابي : فيه بيان أن الغازي وإن كان غنيا له أن يأخذ الصدقة ويستعين بها في غزوه ، وهو من سهم السبيل ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز أن يعطى الغازي من الصدقة إلا أن يكون منقطعا به ، وسهم السبيل غير سهم ابن السبيل ، وقد فرق الله بينهما في التسمية وعطف أحدهما على الآخر بالواو الذي هو حرف الفرق بين المذكورين المسبوق أحدهما على الآخر فقال : ( وفي سبيل الله وابن السبيل ) : والمنقطع به هو ابن السبيل ، وكما سهم السبيل فهو على عمومه وظاهره في الكتاب . وقد جاء في هذا الحديث ما بينه ووكد أمره فلا وجه للذهاب عنه .

                                                                      وفي قوله : أو رجل اشتراها بماله دليل على أن المتصدق إذا تصدق بالشيء ثم اشتراه من المدفوع إليه ، فإن البيع جائز وكرهه أكثر العلماء مع تجويزهم البيع في ذلك ، فقال مالك بن أنس : إن اشتراه فالبيع مفسوخ . وأما الغارم الغني فهو الرجل يتحمل الحمالة ويدان في المعروف وإصلاح ذات البين ، وله مال إن يقع فيها افتقر فيعطى من الصدقة ما يقضي به دينه ، فأما الغارم الذي يدان لنفسه وهو معسر فلا يدخل في هذا الغني لأنه من جملة الفقراء .

                                                                      وأما العامل فإنه يعطى منها عمالة على قدر عمله وأجرة مثله ، فسواء كان غنيا أو فقيرا ، فإنه يستحق العمالة إذا لم يفعله تطوعا . فأما المهدى له الصدقة فهو إذا ملكها فقد خرجت أن تكون صدقة ، وهي ملك لمالك تام الملك جائز التصرف في ملكه ، انتهى كلامه . قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه مسندا . وقال أبو عمر النمري : قد وصل هذا الحديث جماعة من رواية زيد بن أسلم .

                                                                      ( بمعناه ) : ولفظ ابن ماجه من هذا الوجه لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها ، أو لغاز في سبيل الله ، أو لغني اشتراها بماله ، أو فقير تصدق عليه فأهداها لغني ، أو غارم . وأخرجه أيضا الدارقطني ( رواه ابن عيينة ) : سفيان الإمام ( كما قال مالك ) : مرسلا ( ورواه الثوري ) : سفيان الإمام ( حدثني الثبت ) : أي الثقة ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : مرسلا ومع ذلك لم يسم الثبت .




                                                                      الخدمات العلمية