الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الذي يرجع إلى الربح فأنواع .

                                                                                                                                ( منها ) إعلام مقدار الربح ; لأن المعقود عليه هو الربح ، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد ولو دفع إليه ألف درهم عن أنهما يشتركان في الربح ولم يبين مقدار الربح جاز ذلك ، والربح بينهما نصفان ; لأن الشركة تقتضي المساواة قال الله تعالى عز شأنه : فهم شركاء في الثلث ولو قال : على أن للمضارب شركا في الربح جاز في قول أبي يوسف ، والربح بينهما نصفان ، وقال محمد : المضاربة فاسدة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن الشركة هي النصيب ، قال الله تعالى { أم لهم شرك في السموات } أي نصيب .

                                                                                                                                وقال تعالى { وما لهم فيهما من شرك } أي نصيب فقد جعل له نصيبا من الربح ، والنصيب مجهول فصار الربح مجهولا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف أن الشرك بمعنى الشركة ، يقال : شركته في هذا الأمر أشركه شركة وشركا قال القائل :

                                                                                                                                وشاركنا قريشا في بقاها وفي أحسابها شرك العنان

                                                                                                                                ويذكر بمعنى النصيب أيضا ، لكن في الحمل على الشركة تصحيح للعقد فيحمل عليها .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءا شائعا ، نصفا أو ثلثا أو ربعا ، فإن شرطا عددا مقدرا بأن [ ص: 86 ] شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز ، والمضاربة فاسدة ; لأن المضاربة نوع من الشركة ، وهي الشركة في الربح ، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح ; لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور ، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر ، فلا تتحقق الشركة ، فلا يكون التصرف مضاربة ، وكذلك إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة درهم ، أو قالا : إلا مائة درهم فإنه لا يجوز كما ذكرنا أنه شرط يقطع الشركة في الربح ; لأنه إذا شرطا لأحدهما النصف ومائة ، فمن الجائز أن يكون الربح مائتين ، فيكون كل الربح للمشروط له ، وإذا شرطا له النصف إلا مائة ، فمن الجائز أن يكون نصف الربح مائة ، فلا يكون له شيء من الربح .

                                                                                                                                ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشرط ، والمضاربة صحيحة والأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في هذا العقد أنه ينظر إن كان يؤدي إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد ; لأن الربح هو المعقود عليه ، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد ، وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط وتصح المضاربة وشرط الوضيعة عليهما شرط فاسد ; لأن الوضيعة جزء هالك من المال ، فلا يكون إلا على رب المال ، لا أنه يؤدي إلى جهالة الربح ، فلا يؤثر في العقد فلا يفسد به العقد ، ولأن هذا عقد تقف صحته على القبض ، فلا يفسده الشرط الزائد الذي لا يرجع إلى المعقود عليه كالهبة والرهن ، ولأنها وكالة والشرط الفاسد لا يعمل في الوكالة وذكر محمد في المضاربة إذا قال رب المال للمضارب : لك ثلث الربح وعشرة دراهم في كل شهر ما عملت في المضاربة صحت المضاربة من الثلث ، وبطل الشرط .

                                                                                                                                وذكر في المزارعة : إذا دفع إليه أرضه بثلث الخارج ، وجعل له عشرة دراهم في كل شهر ، فالمزارعة باطلة من أصحابنا من قال : في المسألة روايتان ، رواية كتاب المزارعة تقتضي فساد المضاربة ; لأن المشروط للمضارب من المشاهرة معقود عليه ، وهو قطع عنه الشركة ، وهذا يفسد المضاربة ، وفي رواية كتاب المضاربة يقتضي أن تصح المضاربة ; لأنه عقد على ربح معلوم ، ثم ألحق به شرطا فاسدا ، فيبطل الشرط وتصح المضاربة والصحيح هو الفرق بين المسألتين ; لأن معنى الإجارة في المزارعة أظهر منه في المضاربة ، بدليل أنها لا تصح إلا بمدة معلومة ، والمضاربة لا تفتقر صحتها إلى ذكر المدة ، فالشرط الفاسد جاز أن يؤثر في المزارعة ولا يؤثر في المضاربة .

                                                                                                                                وعلى هذا الأصل ، قال محمد فيمن دفع ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفين ، على أن يدفع إليه رب المال أرضه ليزرعها سنة أو دارا ليسكنها سنة ، فالشرط باطل والمضاربة صحيحة ; لأنه ألحق بها شرطا فاسدا لا تقتضيه ، فبطل الشرط ولو كان المضارب هو الذي شرط عليه أن يدفع أرضه ليزرعها رب المال سنة ، أو يدفع داره إلى رب المال ; ليسكنها سنة ، فسدت المضاربة ; لأنه جعل نصف الربح عوضا عن عمله وعن أجرة الدار والأرض ، فصارت حصة العمل مجهولة بالعقد فلم يصح العقد وروى المعلى عن أبي يوسف في رجل دفع مالا إلى رجل مضاربة ، على أن يبيع في دار رب المال أو على أن يبيع في دار المضارب ، كان جائزا ولو شرطا أن يسكن المضارب دار رب المال ، أو رب المال دار المضارب ، فهذا لا يجوز ; لأنه إذا شرط البيع في أحد الدارين فإنما خص البيع بمكان دون مكان ، ولم يعقد على منافع الدار ، وإذا شرط للمضارب السكنى فقد جعل تلك المنفعة أجرة له وأطلق أبو يوسف أنه لا يجوز ، ولم يذكر أنه لا يجوز الشرط أو لا تجوز المضاربة .

                                                                                                                                وذكر القدوري رحمه الله أنه ينبغي أن يكون الفساد في الشرط لا في المضاربة ولو شرط جميع الربح للمضارب فهو قرض عند أصحابنا وعند الشافعي رحمه الله هي مضاربة فاسدة ، وله أجرة مثل ما إذا عمل .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن المضاربة عقد شركة في الربح ، فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا فاسدا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أنه إذا لم يمكن تصحيحها مضاربة تصحح قرضا ; لأنه أتى بمعنى القرض ، والعبرة في العقود لمعانيها ، وعلى هذا إذا شرط جميع الربح لرب المال ، فهو إبضاع عندنا ; لوجود معنى الإبضاع .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية