الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويستقبل القبلة ) لقوله تعالى { فولوا وجوهكم شطره } ثم من كان بمكة ففرضه إصابة عينها ، ومن كان غائبا [ ص: 270 ] ففرضه إصابة جهتها هو الصحيح لأن التكليف بحسب الوسع .

التالي السابق


( قوله لقوله تعالى فولوا إلخ ) أي يثبت الافتراض ، أما لزوم الإكفار بترك التوجه عمدا على قول أبي حنيفة فللزوم الاستهزاء به والاستخفاف ، إذ ليس حكم الفرض لزوم الكفر بتركه بل بجحده ، وكذا الصلاة بغير طهارة .

وكذا في الثوب النجس ، واختاره القاضي أبو علي السغدي في ترك الطهارة لا في الآخرين للجواز فيهما حالة العذر ، وبغير طهارة لا يجوز بحال ، وبه أخذ الصدر الشهيد ، وإذا حول وجهه لا تفسد صلاته وتفسد بصدره . قيل هذا أليق بقولهما ، أما عنده فلا في الوجهين بناء على أن الاستدبار إذا لم يكن على قصد الرفض لا تفسد ما دام في المسجد عنده خلافا لهما ، حتى لو انصرف عن القبلة على ظن الإتمام فتبين عدمه بنى ما دام في المسجد عنده خلافا لهما .

ولقائل أن يفرق بينهما بعذره هناك وتمرده هنا ، ولا يفرق في المسائل السابقة إذ لا أثر لعدم الجواز في شيء من الأحوال ، بل الموجب للإكفار هو الاستهانة وهو ثابت في الكل ( قوله ففرضه إصابة عينها ) حتى لو صلى في أماكن في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة بخلاف الآفاقي كذا في الكافي . وفي الدراية : من كان بينه وبين الكعبة حائل الأصح أنه كالغائب ، ولو كان الحائل أصليا كالجبل كان له أن يجتهد ، والأولى أن يصعده ليصل إلى اليقين ، وفي النظم : الكعبة قبلة من بالمسجد ، والمسجد قبلة من بمكة ، ومكة قبلة الحرم ، والحرم قبلة العالم .

قال المصنف في التجنيس : [ ص: 270 ] هذا يشير إلى أن من كان بمعاينة الكعبة فالشرط إصابة عينها ، ومن لم يكن بمعاينتها فالشرط إصابة جهتها وهو المختار انتهى . قال الشيخ عبد العزيز البخاري : هذا على التقريب ، وإلا فالتحقيق أن الكعبة قبلة العالم انتهى .

وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال لأن المصير إلى الدليل الظني ، وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز ، وما أقرب قوله في الكتاب والاستخبار فوق التحري فإذا امتنع المصير إلى ظني لإمكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع إمكانه بالظن ( قوله إصابة جهتها ) في الدراية عن شيخه ما حاصله أن استقبال الجهة أن يبقى شيء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعيدة لا تزول بما يزول به من الانحراف لو كانت في مسافة قريبة ، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد وتبقى المسامتة مع انتقال مناسب لذلك البعد ، فلو فرض خط من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل أو شماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة ، ولذا وضع العلماء قبلة بلد وبلدين وثلاث على سمت واحد ، فجعلوا قبلة بخارى وسمرقند ونسف وترمذ وبلخ ومرو وسرخس موضع الغروب إذا كانت الشمس في آخر الميزان وأول العقرب كما اقتضته الدلائل الموضوعة لمعرفة القبلة ، ولم يخرجوا لكل بلدة سمتا لبقاء المقابلة والتوجه في ذلك القدر ونحوه من المسافة .

وفي الفتاوى : الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب ( قوله هو الصحيح ) احتراز عن قول الجرجاني إن العين فرض الغائب أيضا لأنه المأمور به ولا فصل في النص ، وثمرة الخلاف تظهر في اشتراط نية عينها ، فعنده يشترط وعند غيره لا .




الخدمات العلمية