الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا زنى الحربي المستأمن بالمسلمة أو الذمية فعليها الحد ولا حد عليه في قول أبي حنيفة ، وقال محمد رحمهما الله تعالى : لا حد على واحد منهما ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله الأول ثم رجع وقال : يحدان جميعا ، أما المستأمن فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا تقام عليه الحدود التي هي لله تعالى خالصا كحد الزنا والسرقة وقطع الطريق ، وفي قول [ ص: 56 ] أبي يوسف الآخر والشافعي رحمهما الله تعالى يقام الحد عليه كما يقام على الذمي ; لأنه ما دام في دارنا فهو ملتزم أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالذمي ، ألا ترى أنه يقام عليه القصاص وحد القذف ويمنع من الربا ويجبر على بيع العبد المسلم والمصحف إذا اشتراه كما يجبر عليه الذمي ؟ وهذا ; لأن هذه الحدود تقام صيانة لدار الإسلام فلو قلنا لا تقام على المستأمن يرجع ذلك إلى الاستخفاف بالمسلمين وما أعطيناه الأمان ليستخف بخلاف حد شرب الخمر فإنه لا يقام على الذمي وهذا ; لأنهما يعتقدان إباحة شرب الخمر وإنما أعطيناهم الأمان على أن نتركهم وما يدينون .

( وحجتنا ) في ذلك قوله تعالى { ثم أبلغه مأمنه } فتبليغ المستأمن مأمنه واجب بهذا النص حقا لله تعالى ، وفي إقامة الحد عليه تفويت ذلك ولا يجوز استيفاء حقوق الله تعالى على وجه يكون فيه تفويت ما هو حق الله ، والمعنى أن المستأمن ما التزم شيئا من حقوق الله تعالى وإنما دخل تاجرا ليعاملنا ثم يرجع إلى داره ، ألا ترى أنه يمنع من الرجوع إلى دار الحرب ؟ ولو كان ملتزما شيئا من حقوق الله تعالى يمنع من ذلك كالذمي وهذا ; لأن منعه من أن يعود حربا للمسلمين بعد ما حصل في أيديهم حق الله تعالى بخلاف القصاص فإنه حق العباد وهو قد التزم حقوق العباد في المعاملات ، وحد القذف فيه بعض حق العباد أيضا ; لأن المقصود رفع العار عن المقذوف ، والإجبار على بيع العبد المسلم من حق العبد وهو من حقوق المسلمين أيضا ; لأن في استخدام العبد المسلم نوع إذلال بالمسلمين وكذلك في استخفافه بالمصحف وأما الربا فهو مستثنى من كل عهد قال صلى الله عليه وسلم { إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد } .

فأما في جانب المرأة المسلمة فمحمد رحمه الله تعالى يقول لا حد عليها أيضا ; لأنها مكنت نفسها من فاعل لا يلزم الحد بفعله فهو كالتمكين من صبي أو مجنون وهذا ; لأن الكفار لا يخاطبون بالشرائع عندنا ، وما هو من خالص حق الله تعالى فالخطاب فيه قاصر عن الكافر كما هو قاصر عن الصبي والمجنون وقاس هذا بما لو مكنت نفسها من مكره فإنه لا يجب الحد عليها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول فعل المستأمن زنى بدليل أنه لو قذفه قاذف به بعد الإسلام لا يقام عليه الحد فصارت هي زانية بالتمكين من الزنا ويقام عليها الحد ، بخلاف الصبي والمجنون فإن فعلهما ليس بزنا شرعا حتى لو قذفهما قاذف بذلك الفعل بعد البلوغ والعقل يجب عليه الحد وهذا ; لأن معنى قولنا الكفار لا يخاطبون بالشرائع والعبادات التي تنبني على الإسلام ، فأما الحرمات ثابتة في حقهم وكان فعل المستأمن واجب الكف عنه بخطاب الشرع [ ص: 57 ] فيكون زنى إلا أنه لا يقام عليه الحد لوجوب تبليغه مأمنه وأما إذا مكنت نفسها من مكره فعند أبي حنيفة رحمه الله يجب الحد عليها ، وإن ضجع أبو يوسف رحمه الله تعالى الرواية فيه بقوله : لست أحفظ عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في المكره شيئا وهذا ; لأن المكره ممنوع عن الإقدام على الزنا وفي الإقدام عليه يكون فعله زنى وتصير هي بالتمكين زانية تبعا فيلزمها الحد

التالي السابق


الخدمات العلمية