الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) رجل ثبت عليه بإقراره الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف وفقء عين رجل ، فإنه يبدأ بالقصاص في الفقء ; لأنه محض حق العباد وحق العبد مقدم في الاستيفاء لما يلحقه من الضرر بالتأخير ; لأنه يخاف الفوت والله تعالى يتعالى عن ذلك ، ثم إذا برئ من ذلك أخرجه وأقام عليه حد القذف ; لأنه مشوب بحق العباد فيقدم في الاستيفاء على ما هو محض حق الله تعالى ، وهذا ; لأن المقصود من إقامة حد القذف دفع العار عن المقذوف ، فلهذا يبدأ به قبل حد الزنا والشرب ، وإذا برئ من ذلك فهو بالخيار إن شاء بدأ بحد الزنا ، وإن شاء بدأ بحد السرقة ; لأن كل واحد منهما محض حق الله تعالى ، وهو ثابت بنص يتلى ويجعل حد شرب الخمر آخرها ; لأنه أضعف من حيث إنه لا يتلى في القرآن ، وقد بينا ذلك .

وكلما أقام عليه حدا حبسه حتى يبرأ ثم أقام الآخر ; لأنه إن والى إقامة هذه الحدود ربما يؤدي إلى الإتلاف ، وقد بينا أنه مأمور بإقامة الحد على وجه يكون زاجرا لا متلفا ، ولكنه يحبس ; لأنه لو خلي سبيله ربما يهرب فلا يتمكن من إقامة الحد الآخر عليه ويصير مضيعا للحد والإمام منهي عن تضييع الحد بعد ظهوره عنده ، وإن كان محصنا اقتص منه في العين وضربه حد القذف لما فيهما من حق العباد ثم رجمه ; لأن حد السرقة والشرب محض حق الله تعالى .

ومتى اجتمعت الحدود لحق الله تعالى ، وفيها نفس قتل وترك ما سوى ذلك هكذا نقل عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم والمعنى فيه أن في الحدود الواجبة لله تعالى المقصود هو الزجر ، وأتم ما يكون من الزجر باستيفاء النفس ، والاستيفاء بما دونه اشتغال بما لا يفيد ، فلهذا رجمه ودرأ عنه ما سوى ذلك ، إلا أنه يضمنه السرقة ; لأن الضمان قد وجب عليه بالأخذ ، وإنما يسقط لضرورة استيفاء القطع حقا لله ، ولم يوجد ذلك ، فلهذا يضمنه السرقة ويأمر بإيفائها من تركته

التالي السابق


الخدمات العلمية