الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد في الأخريين ، وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة وجهر ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله .

وقال أبو يوسف رحمه الله لا يقضي واحدة منهما لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل .

[ ص: 329 ] ولهما وهو الفرق بين الوجهين أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة ، فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة ، وهذا خلاف الموضوع ، بخلاف ما إذا ترك السورة لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع ، ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب ، وفي الأصل بلفظة الاستحباب لأنها إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يمكن مراعاة موضوعها من كل وجه [ ص: 330 ] ( ويجهر بهما ) هو الصحيح لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع ، وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى ، ثم المخافتة أن يسمع نفسه والجهر أن يسمع غيره ، وهذا عند الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله لأن مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت .

وقال الكرخي : أدنى الجهر أن يسمع نفسه ، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ .

[ ص: 331 ] وفي لفظ الكتاب إشارة إلى هذا .

وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء وغير ذلك

التالي السابق


( قوله لم يعد في الأخريين ) المناسب لم يقض أو لم يقرأها إذ لا يتصور إعادة ما لم يسبق ( قوله ولهما إلخ ) مثل هذا الوضع يقتضي أن يقال لهما : يعني من الدلائل في مقابلة قول المخالف بعد ذكر دليله وهو ما ذكر من أن قراءة السورة غير مشروعة في الأخريين فلا يجوز الإتيان بها لعدم المحل ، ودليل القضاء لا ما ذكره المصنف .

والجواب أن قراءتها تلحقها بالشفع الأول ويخلو عنها الثاني حكما لأنه محل لها ، بخلاف الفاتحة فإن الثاني محلها فتقع قراءتها أداء لأنه أقوى للمحلية ، ولو كررها خالف المشروع .

وقد يقال كذلك قراءة السورة فإن كان إيقاعها فيه يخليه عنها حكما [ ص: 329 ] لذلك يجب أن تكون قراءة الفاتحة ثانيا للقضاء يجب أن تلتحق بالأوليين فيخلو الثاني عن تكرارها حكما ، ثم بعد هذا كله المتحقق عدم المحلية فلزم كونها قضاء ، ولم يقع الجواب عن قوله إذا فات عن محله لا يقضي إلا بدليل .

واعلم أن المسألة مربعة ، فظاهر الرواية ما ذكر ، وعكسه قول عيسى بن أبان وعن أبي يوسف : لا يقضي واحدة منهما ، وعن أبي حنيفة : يقضيهما ، ثم كيف يرتبهما ؟ فقيل يقدم السورة ، وقيل يقدم الفاتحة وهو الأشبه ، إذ تقديم السورة على الفاتحة غير مشروع فلا يكون مخالفا للمعهود ( قوله ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب ) وهو [ ص: 330 ] لفظ الخبر وفي الأصل بلفظ الاستحباب ، ولا يخفى أنه أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية لأنها إن كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم تكن مراعاتها من كل وجه ( قوله هو الصحيح ) هو ظاهر الرواية احترازا عما ورد عن أبي حنيفة أنه لا يجهر أصلا لأن الجمع شنيع ، وتغيير السورة أولى لأن الفاتحة في محلها وليست تبعا للسورة ، وعنه يجهر بالسورة دون الفاتحة مراعاة لصفة كل منهما ، ولا يكون جمعا تقديرا للالتحاق بمحلها من الأوليين ، [ ص: 331 ] وصححه التمرتاشي وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب ( قوله وفي لفظ الكتاب إشارة إليه ) حيث قال : إن شاء جهر وأسمع نفسه ، وإن شاء خافت فجعل إسماعه نفسه جهرا يقابله المخافتة فتكون هي دون ذلك ، وليس حينئذ إلا تصحيح الحروف ، وهذا بناء على أن المراد وأسمع نفسه لا غيره اعتبارا لمفهوم اللقب ، وإلا لو كان المراد مجرد إبداء حسن التعليل والمراد وأسمع نفسه بذلك لم يلزم فيه إشارة إليه .

في المحيط قول الهندواني أصح .

واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحرف كيفية تعرض للصوت وهو أخص من النفس فإنه النفس المعروض بالقرع ، فالحرف عارض للصوت لا للنفس ، فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام .

بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع ، بل كونه بحيث يسمع وهو قول بشر المريسي ، ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن ظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع .

( قوله وغير ذلك ) كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بتلاوته وجواز الصلاة .

قال شيخ الإسلام : وكذا الإيلاء والبيع على الخلاف ، وقيل الصحيح في البيع أنه لا بد أن يسمع المشتري




الخدمات العلمية