الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المقصد السابع : جمرة العقبة ، وفي ( الكتاب ) : يرمي جمرة العقبة يوم النحر [ ص: 264 ] صبحا سبع حصيات راكبا ، وفي غير يوم النحر ماشيا ، وإن مشى فلا شيء عليه ، ويجزئ قبل الشمس ، وبعد الفجر وبطلوع الفجر يحل الرمي والنحر بمنى ، وقبله لا يجزئ ويعيد ، وتكون الجمار أكثر من حصى الخذف قليلا ، ويأخذها من حيث شاء ، ولا يرمي بحصى الجمار ; لأنها قد رمي بها ، والرجال والنساء والصبيان في ذلك سواء ، قال سند : كان القاسم بن محمد يرمي بأكبر من حصى الخذف ، واختلف في حصى الخذف : فقيل : مثل الباقي ، وقيل : مثل النواة ، وقيل : دون الأنملة طولا وعرضا ، ويكره الكبير ; لئلا يؤذي الناس ، والصغير مثل الحمصة والقمحة لا يرمى به ; لأنه في حكم العدم ، وأكبر من حصى الخذف أبرأ للذمة ; لأن فيه الواجب وزيادة ، والحجر الكبير يجزئ عند الجميع ; لوقوع الاسم عليه ، لكنه مخالف للسنة ، والمستحب - عند الجمهور - أخذها من المزدلفة ، فإن النبي - عليه السلام - قال للفضل بن عباس غداة العقبة ، وهو عند راحلته : هات التقط لي ، فالتقط حصيات مثل حصى الخذف ، واستحب مالك لقطها على كسرها للسنة ، ويستحب تقديم الرمي على غيره إذا أتى منى ; لأنه تحية الحرم ، ولا يختص بجنس ، بل ما يسمى حصى حجرا أو رخاما أو ترابا ، وظاهر المذهب : منع الطين والمعادن المتطرقة كالحديد ، وغير المتطرقة كالزرنيخ قاله ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : يجوز بكل ما هو من الأرض قياسا على المنصوص عليه ، وجوزه داود بكل شيء حتى بالعصفور الميت ، وسلم ( ح ) منع الدراهم والدنانير فنقيس عليها ، ولا يرمى بما رمي به عند الجمهور ; لأنه لو جاز ذلك لتبادر الناس إلى جماره عليه السلام ، فإن رمى بما رمى به هو : قال بعض المتأخرين منا : لا يجزئه بخلاف ما رمى به غيره ، ولم يجد هذا الفرق إلا للزموني من الشافعية ، وإن رمى بما رمى به غيره أجزأه عند مالك و ( ش ) خلافا لابن شعبان وابن حنبل محتجين بما روي عن ابن [ ص: 265 ] عباس أن ما يقبل من ذلك يرفع ، فلا يتقرب بما لم يقبل ، وقياسا على الماء المستعمل في الطهارة . لنا أنه عليه السلام لم يشترط ذلك ، ولو كان شرطا لبينه ، والقياس على شروط الحدود ، والثوب في الصلاة ، والطعام في الكفارات ، ويمنع الحكم في قياسهم ، وقال الشافعية : لو رمى بحجر نجس أجزأه ، قال : وليس ببعيد عن المذهب لكنه يكره ، وقد قال مالك : ليس عليه غسلها ، فإن قدم في غير وقت رمي أخر الرمي حتى تطلع الشمس ، وليس عليه أن يركب ; لأن الرمي راكبا إنما يكون للعجلة ، والمشي في القربات أفضل ، ودخول الوقت بالنحر عند مالك و ( ح ) وابن حنبل ; لأنه منقول في ( الموطأ ) عن السلف ، ومن جهة النظر : أن الليل زمان الوقوف بعرفة ، والرمي يحلل ، وغير مناسب وقوع التحلل في زمن الإحرام ، ولأنها ليلة لا يصلح الرمي في أولها فلا يصلح في آخرها ، كيوم عرفة ، عكسه يوم النحر ، وجوزه ( ش ) في النصف الثاني من الليل لما في أبي داود : أنه عليه السلام أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت ، فيحتمل أن يكون المراد بالفجر صلاة الفجر ، أو يكون خاصا بها جمعا بين الأدلة ، وفي ( الكتاب ) : يكبر مع كل حصاة لحديث جابر ، ويستحب رميها من أسفلها فإن رماها من فوقها أجزأه ، ففي حديث جابر ، رماها - عليه السلام - من بطن الوادي ، وقد رماها عمر - رضي الله عنه - من أعلاها ; لزحام الناس ، فإن تركها أو بعضها إلى الليل رماها ليلا ، وإن نسي بعضها رمى عدد ما ترك ، ولا يستأنف ، قال ابن القاسم : أحب إلي أن يهدي على اختلاف قوله في وجوبه ، وفي ( الجواهر ) : للرمي وقت أداء ، ووقت قضاء فالأداء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يوم النحر ، وتردد أبو الوليد في الليلة التي بعده هل هي أداء [ ص: 266 ] أو قضاء ؟ والقضاء لكل يوم من أيام الرمي ما بعده ، ولا قضاء للرابع ، ولا خلاف في وجوب الدم مع الفوات ولا في سقوطه مع الأداء ، ويختلف في وجوبه وسقوطه مع القضاء ، ففي ( الموطأ ) : أنه عليه السلام رخص لرعاة الإبل في البيتوتة عند منى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون من الغد أو بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر . ولولا أن الوقت وقت الرمي لما جاز تأخيرهم ; لأن العبادة لا تؤخر للضرورة إلا في وقت أدائها كالصلوات ، ولا يبطل الحج بفوات شيء من الجمار ، وقال عبد الملك : يبطل بفوات جمرة العقبة ; لقوله عليه السلام : ( إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء ) فجعلها شرطا ، ولأنها عبادة سبع فتكون ركنا كالطواف . لنا قوله عليه السلام : ( من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ) ؛ ولأنها لو كانت ركنا لما فاتت بخروج زمانها كالطواف والسعي ، وهي تفوت بخروج أيام التشريق فلا تكون ركنا كسائر الجمرات ، وقياسها على الجمرات أولى من الطواف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية