الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      {برآءة} : خبر مبتدأ محذوف، أو ابتداء، والخبر: إلى الذين عاهدتم من المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأن الله مخزي الكافرين : على معنى: واعلموا أن الله...

                                                                                                                                                                                                                                      وأذان من الله ورسوله : ارتفاع {أذان} على العطف على {برآءة} ، والخبر: إلى الناس ؛ فهو عطف جملة على جملة، هذا مذهب الفراء، والزجاج، وقيل: هو مرفوع على تقدير: عليكم أذان؛ لأن فيه معنى الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من الله صفة لـ {أذان} ؛ ولـ {برآءة} ، وهو العامل في {يوم} [ ص: 232 ] من قوله: يوم الحج الأكبر ، وقيل: العامل فيه: {مخزي} ، ولا يصح عمل {أذان} فيه؛ لأنه قد وصف، فخرج عن حكم الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      أن الله بريء من المشركين ورسوله : من كسر {أن} ؛ فعلى تقدير: قال لهم: إن الله، ومن فتح؛ فالتقدير: بأن الله، ومن نصب {ورسوله} ؛ عطفه على اسم {الله} عز وجل على اللفظ، ومن رفعه؛ فعلى ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: الابتداء، والخبر محذوف؛ التقدير: ورسوله بريء منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: العطف على الموضع.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: العطف على المضمر المرفوع في {بريء} ، وحسن ذلك: أن المجرور قام مقام التأكيد.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ثم لم ينقضوكم} ؛ بالضاد معجمة؛ فهو على حذف المضاف؛ والتقدير: ثم لم ينقضوا عهدكم، ومن قرأ بالصاد؛ فالمعنى: ثم لم ينقصوكم من شروط العهد شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 233 ] وقوله: واقعدوا لهم كل مرصد : قال ابن كيسان: هو على حذف (على) ، حسب ما قدمناه في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: هو ظرف؛ مثل: (ذهبت مذهبا) .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي: ذهب أبو الحسن إلى أن (المرصد) اسم للطريق، وإذا كان اسما للطريق؛ كان مخصوصا، وإذا كان مخصوصا؛ وجب ألا يصل الفعل الذي لا يتعدى إليه إلا بحرف جر؛ نحو: (ذهبت إلى زيد، وقعدت على الطريق) ، إلا أن يجيء شيء من ذلك على الاتساع، فيكون الحرف معه محذوفا؛ نحو ما حكاه سيبويه من قولهم: (ذهبت الشام) و (دخلت البيت) .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن أحد من المشركين استجارك : ارتفاع {أحد} بفعل مضمر يفسره {استجارك} ، ولا يرتفع بالابتداء؛ لأن الجزاء لا يتخطى ما يرتفع بالابتداء؛ فيعمل فيما بعده، وأنت تقول: (إن أحد يقم؛ أكرمه) ، ولا يجوز الإضمار مع أخوات (إن) من حروف الجزاء، وجاز مع (إن) ؛ لأنها أم حروف الجزاء؛ إذ هي لازمة له، لا تزول عنه إلى غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة : موضع {كيف} نصب، والمستفهم عنه محذوف، التقدير: كيف يكون لهم عهد؟ وقيل: التقدير: كيف لا تقتلونهم؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 234 ] ومن قرأ: {إيلا} ؛ جاز أن يكون أبدل من اللام ياء؛ كراهة التضعيف؛ كما قالوا في (أما) : (أيما) ؛ كما قال: [من البسيط]


                                                                                                                                                                                                                                      يا ليتما أمنا شالت نعامتها أيما إلى جنة أيما إلى نار

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون فعلا من (ألت الشيء) ؛ إذا سسته، فمصدره: (إولا، وإوالة) ؛ فتقلب الواو ياء؛ فيصير: (إيلا، وإيالة) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن حقق الهمزتين في {أيمة} ؛ فهو الأصل؛ لأنه جمع (إمام) على (أفعلة) ، ومن خفف الثانية؛ استثقل الجمع بين الهمزتين، ومن ذهب من أهل التخفيف إلى الثانية ياء، ولم يجعلها بين بين على ما يجب في التخفيف القياسي؛ فلأن كسرة الهمزة عارضة، وأصلها السكون، وكان حقها قبل الإدغام [ ص: 235 ] أن تبدل ألفا، فجعل التخفيف بعد الإدغام بالبدل، كما كان يكون قبل الإدغام.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في فتح الهمزة وكسرها من قوله: إنهم لا أيمان لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فالله أحق أن تخشوه : اسم {الله} تعالى: مبتدأ، و أن تخشوه : بدل منه، و {أحق} : خبر الابتداء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ويجوز أن يكون أن تخشوه ابتداء ثانيا، و {أحق} : خبره، والجملة خبر عن المبتدأ الأول].

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون {أن} في موضع نصب؛ على تقدير حذف الجار، وفي الكلام حذف؛ والمعنى: والله أحق من غيره بالخشية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 236 ] ويخزهم وينصركم عليهم : معطوف على {يعذبهم} الذي هو جواب الأمر، ويجوز القطع والرفع على الاستئناف، والنصب بإضمار (أن) ، [وهو الصرف عند الكوفيين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب ويتوب الله على من يشاء ؛ فبإضمار (أن)، والتوبة داخلة في جواب الشرط؛ لأن المعنى: إن تقاتلوهم؛ [يعذبهم الله، وكذلك ما عطف عليه، ثم قال: ويتوب الله؛ أي: إن تقاتلوهم]؛ يجمع بين تعذيبهم بأيديكم، وشفاء صدوركم منهم، وإذهاب غيظ قلوبكم، والتوبة عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع ويتوب الله ؛ فعلى الاستئناف، وهو أشبه؛ لأن التوبة لا يكون سببها القتال؛ إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء الله أن يتوب عليه في كل حال.

                                                                                                                                                                                                                                      أم حسبتم أن تتركوا : {أم} : خروج من شيء إلى شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      الطبري: دخلت {أم} ههنا في موضع الألف؛ لأنها من الاستفهام المعترض في وسط الكلام، فدخلت لتفرق بين الاستفهام الذي يبتدأ به، وبين الذي يعترض في وسط الكلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 237 ] ومن قرأ: {مسجد الله} ؛ بالإفراد؛ فإنه يعني: المسجد الحرام، ومن جمع؛ أراد سائر المساجد، وقد تقدم مذاهب العلماء في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ومن قرأ: {سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام} ؛ فهو جمع (ساق) و (عامر) ].

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {سقاية الحاج} ؛ بضم السين؛ احتمل أن يكون جمع ساق) ؛ كـ (ظئر، وظؤار) ، وكان الأصل: (سقاء) ؛ بالتذكير، فأنث كما تؤنث الجموع في نحو: (حجر وحجارة) ، وتقدم تقدير قراءة الجماعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أفرد قوله: {وعشيراتكم} ؛ فلأن (العشيرة) تقع على الجمع، فاستغنى عن جمعها، ومن جمع؛ فهو جمع (عشيرة) .

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم حنين : {يوم} : منصوب على معنى: ونصركم يوم حنين، وانصرف [ ص: 238 ] {حنين} ؛ لأنه مذكر سمي به واد، ومن جعله اسما للبقعة؛ لم يصرفه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {وإن خفتم عائلة} ؛ فهو من المصادر التي جاءت على (فاعلة) ؛ كـ (العافية) ، ويجوز أن تكون نعتا حذف منعوته؛ التقدير: وإن خفتم حالا عائلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {عيلة} ؛ فـ (العيلة) : الفقر؛ يقال: (عال يعيل عيلة) .

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية