الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3 - ( 3 ) - حديث : روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : { خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ، إلا ما غير طعمه ، أو ريحه }لم أجده هكذا ، وقد تقدم في حديث أبي سعيد بلفظ : { إن الماء طهور لا ينجسه شيء }وليس فيه خلق الله ، ولا الاستثناء .

وفي الباب كذلك عن جابر بلفظ : { إن الماء لا ينجسه شيء }وفيه قصة ، رواه ابن ماجه ، وفي إسناده أبو سفيان صريف بن شهاب وهو ضعيف متروك ، وقد اختلف فيه على شريك الراوي عنه ، وعن ابن عباس بلفظ : { الماء لا ينجسه شيء }رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان ، ورواه أصحاب السنن ، بلفظ : { إن الماء لا يجنب }وفيه قصة .

وقال الحازمي : لا يعرف [ ص: 16 ] مجودا إلا من حديث سماك بن حرب ، عن عكرمة ، وسماك مختلف فيه ، وقد احتج به مسلم ، وعن سهل بن سعد ، رواه الدارقطني ، وعن عائشة بلفظ : { إن الماء لا ينجسه شيء }رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى ، والبزار وأبو علي بن السكن في صحاحه من حديث شريك ، ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف ، وفي المصنف والدارقطني من طريق داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : " { أنزل الله الماء طهورا لا ينجسه شيء }وأما الاستثناء : فرواه الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ : " { الماء طهور ، لا ينجسه شيء ، إلا ما غلب على ريحه ، أو طعمه }وفيه رشدين بن سعد ، وهو متروك ، وقال ابن يونس : كان رجلا صالحا ، لا شك في فضله ، أدركته غفلة الصالحين ، فخلط في الحديث .

وعن أبي أمامة مثله ، رواه ابن ماجه والطبراني ، وفيه رشدين أيضا ، ورواه البيهقي بلفظ : { إن الماء طاهر إلا إن تغير ريحه ، أو طعمه ، أو لونه [ ص: 17 ] بنجاسة تحدث فيه }أورده من طريق عطية بن بقية ، عن أبيه ، عن ثور ، عن راشد بن سعد عن أبي أمامة ، وفيه تعقب على من زعم أن رشدين بن سعد تفرد بوصله ، ورواه الطحاوي والدارقطني ، من طريق راشد بن سعد مرسلا بلفظ : { الماء لا ينجسه شيء ، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه }زاد الطحاوي : أو لونه ، وصحح أبو حاتم إرساله . قال الدارقطني في العلل : هذا الحديث يرويه رشدين بن سعد ، عن معاوية بن صالح ، عن راشد بن سعد ، عن أبي أمامة ، وخالفه الأحوص بن حكيم ، فرواه عن رشدين بن سعد مرسلا . وقال أبو أسامة ، عن الأحوص ، عن راشد . قوله : قال الدارقطني : ولا يثبت هذا الحديث .

وقال الشافعي : ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء ، وريحه ، ولونه كان نجسا ، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ، وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافا . وقال النووي : اتفق المحدثون على تضعيفه ، وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير ، إذا وقعت فيه نجاسة ، فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا ، فهو نجس .

قوله : " نص الشارع على الطعم والريح ، وقاس الشافعي اللون عليهما " . هذا الكلام تبع فيه صاحب المهذب ، وكذا قاله الروياني في البحر ، وكأنهما لم يقفا على الرواية التي فيها ذكر اللون ، ولا يقال : لعلهما تركاها لضعفها ; لأنهما لو راعيا الضعف لتركا الحديث جملة ، فقد قدمنا عن صاحب المذهب أنه لا يثبت ، ونص مع ذلك فيه على اللون في نفس الخبر .

قوله : وحمل الشافعي الخبر على الكثير ، لأنه ورد في بئر بضاعة وكان ماؤها كثيرا ، وهذا مصير منه إلى أن هذا الحديث ورد في بئر بضاعة ، وليس كذلك ، نعم [ ص: 18 ] صدر الحديث كما قدمناه دون قوله : " خلق الله " هو في حديث بئر بضاعة ، وأما الاستثناء الذي هو موضع الحجة منه فلا ، والرافعي كأنه تبع الغزالي في هذه المقالة ، فإنه قال في المستصفى : لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة ، قال : { خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ، إلا ما غير لونه ، أو طعمه ، أو ريحه }وكلامه متعقب لما ذكرناه ، وقد تبعه ابن الحاجب في المختصر في الكلام على العام ، وهو خطأ ، والله الموفق .

( تنبيه ) : وقع لابن الرفعة أشد من هذا الوهم ، فإنه عزا هذا الاستثناء إلى رواية أبي داود ، فقال : ورواية أبي داود : { خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ، إلا ما غير طعمه ، أو ريحه }ووهم في ذلك ، فليس هذا في سنن أبي داود أصلا .

( فائدة ) : أهمل الرافعي الاستدلال على أن الماء لا تسلب طهوريته بالتغير اليسير ، بنحو الزعفران والدقيق ، وعند ابن خزيمة ، والنسائي من حديث أم هانئ : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد ، من قصعة فيها أثر العجين }.

وفي الباب حديث الزبير ، في غسل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه من الدم ، الذي أصابه بأحد ، بماء آجن . أي متغير ، رواه البيهقي

التالي السابق


الخدمات العلمية