الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وههنا مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : احتجت المعتزلة على قولهم : إن الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في جسم بقوله : ( من الشجرة ) فإن هذا صريح في أن موسى عليه السلام سمع النداء من الشجرة ، والمتكلم بذلك النداء هو الله سبحانه ، وهو تعالى منزه أن يكون في جسم ، فثبت أنه تعالى إنما يتكلم بخلق الكلام في جسم . أجاب القائلون بقدم الكلام ، فقالوا لنا مذهبان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قول أبي منصور الماتريدي وأئمة ما وراء النهر وهو : أن الكلام القديم القائم بذات الله تعالى غير مسموع ، إنما المسموع هو الصوت والحرف ، وذلك كان مخلوقا في الشجرة ومسموعا منها ، وعلى هذا التقدير زال السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قول أبي الحسن الأشعري وهو : أن الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت يمكن أن يكون مسموعا ، كما أن الذات التي ليست بجسم ولا عرض يمكن أن تكون مرئية ، فعلى هذا القول لا يبعد أنه سمع الحرف والصوت من الشجرة ، وسمع الكلام القديم من الله تعالى لا من الشجرة ، فلا منافاة بين الأمرين ، واحتج أهل السنة بأن محل قوله : ( إني أنا الله رب العالمين ) لو كان هو الشجرة لكان قد قالت الشجرة : إني أنا الله ، والمعتزلة أجابوا بأن هذا إنما يلزم لو كان المتكلم بالكلام هو محل الكلام لا فاعله ، وهذا هو أصل المسألة ، أجاب أهل السنة بأن الذراع المسموم قال : لا تأكل مني ، فإني مسموم ، ففاعل ذلك الكلام هو الله تعالى ، فإن كان المتكلم بالكلام هو فاعل ذلك الكلام لزم أن يكون الله قد قال : لا تأكل مني فإني مسموم ، وهذا باطل وإن كان المتكلم هو محل الكلام لزم أن تكون الشجرة قد قالت : إني أنا الله ، وكل ذلك باطل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية