الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 609 ] التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: (الكلمة الطيبة): لا إله إلا الله، و (الشجرة الطيبة): المؤمن، أصل الكلمة الطيبة في قلبه، وفرعها ثابت في السماء؛ أي: يرتفع بها عمل المؤمن في السماء.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وعكرمة: (الشجرة): النخلة، فيجوز أن يكون المعنى: أصل الكلمة ثابت في قلب المؤمن، ويجوز أن يكون المعنى: أصل النخلة ثابت في الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: تؤتي أكلها كل حين : قال ابن عباس: كل ستة أشهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد، وابن زيد: سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      [وعن علي -رضي الله عنه- أيضا: أن أدنى الحين سنة].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الحين): شهران؛ لأن مدة إطعامها شهران، قاله ابن المسيب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: تؤتي أكلها كلما صعدت إلى الله تعالى؛ آتاه خيرها ومنفعتها؛ فقوله: أصلها ثابت على هذا يراد به (الكلمة)، حسب ما تقدم، و وفرعها في السماء أي: أنها تصعد، ولا تحجب.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يطيع الله بالليل والنهار، وكل [ ص: 610 ] حين؛ كهذه التي تؤتي أكلها كل حين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (الشجرة) ههنا: شجرة في الجنة؛ وإن معنى كل حين : بكرة وعشيا، وكذلك روي عن ابن عباس: {حين} يكون غدوة وعشيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة : (الكلمة الخبيثة): كلمة الكفر، و (الشجرة الخبيثة): شجرة الحنظل، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وعن ابن عباس أيضا: أنها شجرة لم تخلق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي شجرة الثوم، وقيل: هي شجرة الكشوثاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: اجتثت من فوق الأرض أي: قطعت جثتها بكمالها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما لها من قرار أي: ما لها من أصل في الأرض تثبت عليه، وكذلك كفر الكافر ليس له ثبات ولا نفع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة : قيل: إن القول الثابت في الحياة الدنيا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ والمعنى: أنه يثبتهم على الإيمان حتى يموتوا، والقول الثابت في الآخرة: عند المسألة في القبر، روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 611 ] وقوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا أي: جعلوا بدل نعمة الله تعالى عليهم الكفر؛ والمراد بذلك: مشركو قريش، عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بها: المشركون الذين قاتلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                                      و دار البوار : جهنم، و (البوار): الهلاك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة يعني: الصلوات الخمس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ؛ يعني: الزكاة، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال أي: لا يباع ما أعد لهم من العذاب بفدية ولا عوض، ولا تنفعهم خلة صديق؛ فيدفع العذاب عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين أي: دائبين في طاعة الله؛ والمعنى: يجريان إلى يوم القيامة، لا يفتران.

                                                                                                                                                                                                                                      وآتاكم من كل ما سألتموه : [أي: آتاكم من كل ما سألتموه] [شيئا؛ فحذف، قاله الأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: آتاكم من كل ما سألتموه] وما لم تسألوه؛ فحذف، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل: 81].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 612 ] وقوله: إن الإنسان لظلوم كفار : {الإنسان}: اسم للجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام أي: اجعلني جانبا من عبادتها.

                                                                                                                                                                                                                                      رب إنهن أضللن كثيرا من الناس يعني: أنهم ضلوا بسببهن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فمن تبعني فإنه مني أي: من أهل ديني.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن عصاني فإنك غفور رحيم يعني: من تاب من معصيته قبل الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      عند بيتك المحرم أي: المـحرم من الاستخفاف به، وانتهاك حرمات الله تعالى فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ربنا ليقيموا الصلاة أي: أسكنتهم عند بيتك المـحرم ليقيموا الصلاة فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم أي: تنزع إليهم، قال ابن جبير: لو قال: فاجعل أفئدة الناس؛ لحجت اليهود والنصارى.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: المعنى: تهوى السكنى عندهم، وهذا يقوى على قراءة من قرأ: {تهوى}.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي أي: واجعل من ذريتي من يقيمها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 613 ] وقوله: ربنا وتقبل دعاء أي: عبادتي؛ كما قال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم الآية [غافر: 60].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ربنا اغفر لي ولوالدي : استغفر إبراهيم لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان لله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يعني: آدم وحواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {مهطعين} أي: مسرعين، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: (المـهطع): الدائم النظر، لا يطرف.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، والضحاك: {مهطعين} أي: مديمي النظر.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: (المـهطع): الذي لا يرفع رأسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مقنعي رءوسهم : قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: (الإقناع): رفع الرأس.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: وجوه الناس يومئذ إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد، ويقال: (أقنع) ؛ إذا رفع رأسه، و (أقنع) ؛ إذا طأطأه ذلة وخضوعا، والآية محتملة للوجهين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يرتد إليهم طرفهم أي: نظرهم، يقال: (طرف الرجل يطرف طرفا) ؛ إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر؛ فسمي النظر طرفا؛ لأنه به يكون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأفئدتهم هواء أي: لا تغني شيئا من شدة الخوف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 614 ] ابن عباس: لا تغني شيئا من الخير؛ فهي كالخـربة.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: خرجت قلوبهم من صدورهم، فنشبت في حلوقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الهواء) في اللغة: المجوف الخالي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال : قال مجاهد: هو قسم قريش إنهم لا يبعثون.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: هو ما حكاه عنهم في قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [النحل: 38].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [أي: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال]؛ أي: ليزول منه الإسلام الذي قد ثبت كثبوت الجبال.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {لتزول} ؛ فالمعنى: وإن كان الأمر كأن مكرهم لتزول منه الجبال، وهو وإن كان يبلغ إلى إزالة الجبال؛ فإنه لا يزيل الإسلام، وهو على ما تستعمله العرب من قولهم: (ولو بلغت أسباب السماء)، ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: يعني بذلك: حين دعوا لله ولدا.

                                                                                                                                                                                                                                      علي رضي الله عنه: يعني به: نمرود بن كنعان حين ربط النسور بتابوت، وطارت نحو [ ص: 615 ] السماء، فلما تصوبت مر بجبل، فظن أنه أمر من الله تعالى، فكاد أن يزول.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: {مكرهم} ههنا: شركهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض : أي: ينتقم من الظالمين في هذا اليوم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما: تبدل الأرض أرضا بيضاء كالفضة، لم يسفك عليها دم حرام، ولم تعمل عليها خطيئة، وقاله الحسن، وقال: والسماوات أيضا كالفضة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن مسعود أيضا قال: تبدل الأرض نارا، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن علي رضي الله عنه: أن الأرض تبدل من فضة، والسماء من ذهب.

                                                                                                                                                                                                                                      قالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يكون الناس يومئذ على الصراط".

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير، ومحمد بن كعب: تبدل الأرض خبزة بيضاء، فيأكل المؤمن من تحت قدميه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 616 ] وقيل: معنى الآية: تذهب شمس السماء، ونجومها، وقمرها، وأنهار الأرض، وجبالها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد أي: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم في الأصفاد؛ وهي الأغلال والقيود، واحدها: (صفد)، و (صفد).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {سرابيلهم} أي: قمصهم، عن ابن زيد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من قطران يعني: من قطران الإبل، وقيل: هو النحاس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولينذروا به أي: لينذروا به عقاب الله عز وجل الذي أنزل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية