الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( رجل صلى الظهر خمس ركعات ولم يقعد في الرابعة ، قال صلاته فاسدة ) ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه لا تفسد لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا } ولم ينقل أنه كان قعد في الرابعة ، ولا أنه أعاد صلاته ، وهو بناء على الأصل الذي بينا أن الركعة الكاملة في احتمال النقص وما دونهما سواء ، فكما أنه لو تذكر قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة تمكن من إصلاح صلاته بالعود إلى القعود فكذلك بعدما قيدها بالسجدة ، .

( ولنا ) أنه اشتغل بالنفل قبل إكمال الفريضة ، ولأن القعدة من أركان الصلاة ، والركعة الخامسة نفل لا محالة ; لأن الظهر لا يكون أكثر من أربع ركعات ، ومن ضرورة استحكام شروعه في النفل خروجه عن الفرض ، والخروج من الفرض قبل إكماله مفسد للفرض ، بخلاف ما قبل تقيد الركعة بالسجدة ; لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة ، حتى أن من حلف أن لا يصلي لم يحنث بما دون الركعة فلم يستحكم شروعه في النفل بما دون الركعة ، والحديث تأويله أنه كان قعد قدر التشهد في الرابعة ، بدليل أنه قال : صلى الظهر ، والظهر اسم لجميع أركان الصلاة ومنها القعدة وهو الظاهر ، فإنما قام إلى الخامسة على تقدير أنها هي القعدة الأولى حملا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو أقرب إلى الصواب قال : ( وأحب إلي أن يشفع الخامسة بركعة ثم يسلم ثم يستقبل الظهر ) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، فأما عند محمد رحمه الله تعالى فبالفساد يصير خارجا من الصلاة ; لأن للصلاة عنده جهة واحدة ، ولأن ترك القعدة في التطوع في كل شفع عنده مفسد للصلاة ، فأما عندهما تفسد الفريضة ويبقى أصل الصلاة تطوعا فيشفعها بركعة واحدة ; لأن [ ص: 228 ] ترك القعدة عقيب كل شفع عندهما غير مفسد للتطوع ، وإن كان قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت الظهر والخامسة تطوع ; لأن قيامه إلى النافلة كان بعد إكمال الفرض فلا يفسد به الفرض ، ويشفع الخامسة بركعة فيكون متطوعا بركعتين ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه .

وقال زفر رحمه الله تعالى عليه قضاء ركعتين وهو بناء على ما إذا شرع في صوم أو في صلاة على ظن أنه عليه ; لأن شروعه ههنا في الخامسة على ظن أنها عليه ، والأولى أن يشفعها بركعة ; لأن ما دون الركعة لا يكون صلاة تامة كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله ما أخرت ركعة قط ، وإذا شفعها بركعة فعليه أن يسجد للسهو استحسانا ، وفي القياس لا سهو عليه ; لأن تمكن السهو كان في الفرض وقد أدى بعدها صلاة أخرى ، وفي الاستحسان إنما بنى النفل على التحريمة التي يمكن فيها السهو فيأتي بسجود السهو لبقاء التحريمة وهو قياس المسبوق الذي قدمناه ، والأصح أن هاتين الركعتين لا تنوبان عن السنة التي بعد الظهر ; لأن شروعه كان لا عن قصد ولهذا لم يلزمه ، والسنة ما شرع فيه عن قصد الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما واظب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية