الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكره نفل ) قصدا [ ص: 375 ] ولو تحية مسجد ( وكل ما كان واجبا ) لا لعينه بل ( لغيره ) وهو ما يتوقف وجوبه على فعله ( كمنذور ، وركعتي طواف ) وسجدتي سهو ( والذي شرع فيه ) في وقت مستحب أو مكروه ( ثم أفسده و ) لو سنة الفجر ( بعد صلاة فجر و ) صلاة ( عصر ) ولو المجموعة بعرفة ( لا ) يكره ( قضاء فائتة و ) لو وترا أو ( سجدة تلاوة وصلاة جنازة وكذا ) الحكم من كراهة نفل وواجب لغيره لا فرض وواجب لعينه ( بعد طلوع فجر سوى سنته ) لشغل الوقت به [ ص: 376 ] تقديرا ، حتى لو نوى تطوعا كان سنة الفجر بلا تعيين ( وقبل ) صلاة ( مغرب ) لكراهة تأخيره إلا يسيرا ( وعند خروج إمام ) [ ص: 377 ] من الحجرة أو قيامه للصعود إن لم يكن له حجرة ( لخطبة ) ما وسيجيء أنها عشر ( إلى تمام صلاته ) بخلاف فائتة فإنها لا تكره ، وقيدها المصنف في الجمعة بواجبة الترتيب وإلا فيكره ، وبه يحصل التوفيق بين كلامي النهاية والصدر

التالي السابق


( قوله : وكره نفل إلخ ) شروع في النوع الثاني من نوعي الأوقات المكروهة وفيما يكره فيها ، والكراهة هنا تحريمية أيضا كما صرح به في الحلية ولذا عبر في الخانية والخلاصة بعدم الجواز ، والمراد عدم الحل لا عدم الصحة كما لا يخفى .

( قوله : قصدا ) احترز به عما لو صلى تطوعا في آخر الليل فلما صلى ركعة طلع الفجر فإن الأفضل إتمامها ; لأن وقوعه في التطوع بعد الفجر لا عن قصد [ ص: 375 ] ولا ينوبان عن سنة الفجر على الأصح ( لقوله ولو تحية مسجد ) أشار به إلى أنه لا فرق بين ما له سبب أو لا كما في البحر خلافا للشافعي فيما له سبب كالرواتب وتحية المسجد ط .

( قوله : وكل ما كان واجبا إلخ ) أي ما كان ملحقا بالنفل ، بأن ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا .

( قوله : على فعله ) أي فعل العبد ، والأولى إظهاره مثلا المنذور يوقف على النذر وركعتا الطواف على الطواف وسجدتا السهو على ترك الواجب الذي هو من جهته . ا هـ . ط .

ويرد عليه سجود التلاوة فإنه يتوقف وجوبه على التلاوة . وأجاب في الفتح بأن وجوبه في التحقيق متعلق بالسماع لا بالاستماع ولا بالتلاوة وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف خلقي فيه ، بخلاف النذر والطواف والشروع فإنها فعله ولولاه لكانت الصلاة نفلا . ا هـ . قال في شرح المنية : لكن الصحيح أن سبب الوجوب في حق التالي التلاوة دون السماع وإلا لزم عدم الوجوب على الأصم بتلاوته ا هـ ونحوه في البحر .

وقد يجاب بأنه وإن كان بفعله لكنه ليس أصله نفلا ; لأن التنفل بالسجدة غير مشروع فكانت واجبة بإيجاب الله تعالى لا بالتزام العبد ، وتمامه في شرح المنية .

( قوله : وركعتي طواف ) ظاهره ولو كان الطواف في ذلك الوقت المكروه ولم أره صريحا ، ويدل عليه ما أخرجه الطحاوي في شرح الآثار عن معاذ ابن عفراء " أنه طاف بعد العصر أو بعد صلاة الصبح ولم يصل ، فسئل عن ذلك فقال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس } " ثم رأيته مصرحا به في الحلية وشرح اللباب .

( قوله : وسجدتي سهو ) أقول : تبع فيه صاحب المجتبى ، ولم يظهر لي معناه هل هو على إطلاقه أو مقيد ببعض الصلوات فإنه لا وجه لكراهة سجود السهو فيما لو صلى الفجر أو العصر وسها فيهما ، وكذا لو قضى بعدهما فائتة وسها فيها فإنه إذا حل له أداء تلك الصلاة كيف لا يحل له سجود السهو الواجب فيها ؟ ولعله اشتبه النوع الثاني من الأوقات بالنوع الأول ، فإن ذكر سجود السهو نحو النوع الأول صحيح وقد مر ، بخلاف ذكره هنا ، إلا أن يقال : إنه مقيد ببعض الصلوات وهي التي تكره في هذا النوع كالنفل والواجب لغيره ، فكما يكره فعلها يكره سجود السهو فيها ، ثم رأيت الرحمتي جزم بأن ذلك سهو ، فتأمل وراجع .

( قوله : ولو سنة الفجر ) أي ولو كان الذي شرع فيه ثم أفسده سنة الفجر فإنه لا يجوز على الأصح ، وما قيل من الحيل مردود كما سيأتي .

( قوله : بعد صلاة فجر و عصر ) متعلق بقوله وكره أي وكره نفل إلخ بعد صلاة فجر وعصر : أي إلى ما قبيل الطلوع والتغير بقرينة قوله السابق لا ينعقد الفرض إلخ ، ولذا قال الزيلعي هنا : المراد بما بعد العصر قبل تغير الشمس ، وأما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضا وإن كان قبل أن يصلي العصر . ا هـ .

( قوله : ولو لمجموعة بعرفة ) عزاه في المعراج إلى المجتبى . وفي القنية إلى مجد الأئمة الترجماني وظهير الدين المرغيناني ، وذكره في الحلية بحثا ، وقال لم أره صريحا ، وتبعه في البحر .

( قوله : ولو وترا ) لأنه على قوله واجب يفوت الجواز بفوته ، وهو معنى الفرض العملي ، وعلى قولهما سنة مخالفة لغيرها من السنن ولذا قالا لا تصح من قعود ، وعن هذا قال في القنية : الوتر يقضى بعد الفجر بالإجماع بخلاف سائر السنن . ( قوله : أو سجدة تلاوة ) لوجوبها بإيجابه تعالى لا بفعل العبد كما علمته فلم تكن في معنى النفل .

( قوله : لشغل الوقت به ) أي بالفجر أي بصلاته ، ففي العبارة استخدام ط أي لأن المراد بالفجر الزمن لا الصلاة ، [ ص: 376 ] ثم هذا علة لقوله وكره . وفيه جواب عما أورد من أن قوله صلى الله عليه وسلم " { لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس } " رواه الشيخان يعم النفل وغيره : وجوابه أن النهي هنا لا لنقصان في الوقت بل ليصير الوقت كالمشغول بالفرض فلم يجز النفل ، ولا ما ألحق به مما ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا دون الفرائض . وما في معناها ، بخلاف النهي عن الأوقات الثلاثة فإنه لمعنى في الوقت وهو كونه منسوبا للشيطان فيؤثر في الفرائض والنوافل ، وتمامه في شروع الهداية .

( قوله : حتى لو نوى إلخ ) تفريع على ما ذكره من التعليل : أي وإذا كان المقصود كون الوقت مشغولا بالفرض تقديرا وسنته تابعة له ، فإذا تطوع انصرف تطوعه إلى سنته لئلا يكون آتيا بالمنهي عنه فتأمل .

( قوله : بلا تعيين ) لأن الصحيح المعتمد عدم اشتراطه في السنن الرواتب ، وأنها تصح بنية النفل وبمطلق النية ، فلو تهجد بركعتين يظن بقاء الليل فتبين أنهما بعد الفجر كانتا عن السنة على الصحيح فلا يصليها بعده للكراهة أشباه .

( قوله : وقبل صلاة المغرب ) عليه أكثر أهل العلم ، منهم أصحابنا ومالك ، وأحد الوجهين عن الشافعي ، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما مما يفيد { أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على صلاة المغرب بأصحابه عقب الغروب } ، { ولقول ابن عمر رضي الله عنهما ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما } " رواه أبو داود وسكت عنه والمنذري في مختصره وإسناده حسن . وروى محمد عن أبي حنيفة عن حماد أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب ، قال : فنهى عنها ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : اختلف الصحابة في ذلك ولم يفعله أحد بعدهم ، فهذا يعارض ما روي من فعل الصحابة ومن أمره صلى الله عليه وسلم بصلاتهما ; لأنه إذا اتفق الناس على ترك العمل بالحديث المرفوع لا يجوز العمل به ; لأنه دليل ضعفه على ما عرف في موضعه ولو كان ذلك مشتهرا بين الصحابة لما خفي على ابن عمر ، أو يحمل ذلك على أنه كان قبل الأمر بتعجيل المغرب ، وتمامه في شرحي المنية وغيرهما .

( قوله : لكراهة تأخيره ) الأولى تأخيرها أي الصلاة ، وقوله إلا يسيرا أفاد أنه ما دون صلاة ركعتين بقدر جلسة ، وقدمنا أن الزائد عليه مكروه تنزيها ما لم تشتبك النجوم ، وأفاد في الفتح وأقره في الحلية والبحر أن صلاة ركعتين إذا تجوز فيها لا تزيد على اليسير فيباح فعلهما ، وقد أطال في تحقيق ذلك في الفتح في باب الوتر والنوافل .

[ تنبيه ] يجوز قضاء الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة في هذا الوقت بلا كراهة ، ويبدأ بصلاة المغرب ثم بالجنازة ثم بالسنة ، ولعله لبيان الأفضلية . وفي الحلية : الفتوى على تأخير صلاة الجنازة عن سنة الجمعة ، فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب ; لأنها آكد . ا هـ . بحر . وصرح في الحاوي القدسي بكراهة المنذورة وقضاء ما أفسده والفائتة لغير صاحب ترتيب ، وهو تقييد حسن وبقي ركعتا الطواف فتكره أيضا كما صرح به في الحلية ويفهم من كلام المصنف أيضا ، فإن قوله وقيل صلاة مغرب معطوف على قوله بعد طلوع فجر ، فيكره في الثاني جميع ما يكره في الأول ، نعم صرح في شرح اللباب أنه لو طاف بعد صلاة العصر يصلي ركعتيه قبل سنة المغرب كالجنازة .

( قوله : وعند خروج إمام ) لحديث الصحيحين وغيرهما { إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت } " فإذا نهي عن الأمر بالمعروف وهو فرض فما ظنك بالنفل ؟ وهذا قول الجمهور من أهل العلم كما قاله ابن بطال منهم أصحابنا ومالك ، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وغيرهم من التابعين ، فما روي مما [ ص: 377 ] يدل على الجواز كان قبل التحريم فلا يعارض أدلة المنع ، وتمام الأدلة في شرحي المنية وغيرهما ، ثم هذا معطوف على ما قبله فيكره فيه ما يكره فيه كما بينا .

( قوله : لخطبة ما ) أتى بما لتعميم الخطبة ، وشمل ما إذا كان ذلك قبلها وبعدها ، سواء أمسك الخطيب عنها أم لا بحر .

( قوله : وسيجيء أنها عشر ) أي في باب العيدين ، وهي : خطبة جمعة وفطر وأضحى ، وثلاث خطب الحج ، وختم ونكاح ، واستسقاء وكسوف ، والمراد تعداد الخطب المشروعة في الجملة ، وإلا فخطبة الكسوف مذهب الشافعي ، والظاهر عدم كراهة التنفل فيها عند الإمام لعدم مشروعيتها عنده ، وبه صرح في الحلية ، وكذا خطبة الاستسقاء مذهب الصاحبين ، فيقال فيها كذلك . وقد يجاب بما في القهستاني حيث نقل رواية عن الإمام بمشروعية خطبة الكسوف ، ولعل من ذكرها كالخانية وغيرها جنح إلى هذه الرواية ، فصح كونها عشرا عندنا . ولا يخفى أن قوله : خروج إمام من الحجرة وقيامه للصلاة قيد فيما يناسبه منها وهو ما عدا خطبة النكاح وخطبة ختم القرآن فافهم . وعلة الكراهة في الجميع تفويت الاستماع الواجب فيها كما صرح به في المجتبى .

( قوله : وقيدها ) أي قيد الفائتة التي لا تكره حال الخطبة ط .

( قوله : بين كلامي النهاية والصدر ) فإن صدر الشريعة يقول تكره الفائتة ، وصاحب النهاية يقول لا تكره كما في شرح المصنف ح




الخدمات العلمية