الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني ، وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل ) لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود لقدرته على النزول ، فإن أتى بهما صح ، وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من [ ص: 465 ] غير عذره . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يستقبل إذا نزل أيضا ، [ ص: 466 ] وكذا عن محمد رحمه الله إذا نزل بعد ما صلى ركعة ، والأصح هو الأول وهو الظاهر .

التالي السابق


( قوله فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني . وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل ) هذا ظاهر الرواية عنهم ، وعن محمد قلبه لأن الراكب إذا نزل لو استقبل كان مؤديا جميع الصلوات بركوع وسجود ، وهو أولى من أداء بعضها بهما وبعضها بالإيماء ، والنازل إذا ركب لو استقبل كان مؤديا جمعها بالإيماء ، ولو بنى أدى بعضها به وبعضها بهما وهو أولى .

وعلى قول زفر : يبني في الوجهين لأنه يجوز بناء صلاة بركوع وسجود على صلاة افتتحها بإيماء . وعن أبي يوسف : يستقبل فيهما ، أما إذا كان نازلا [ ص: 465 ] ثم ركب فللوجه المذكور في ظاهر الرواية .

وأما في قلبه فإلحاقا بالمريض المومئ إذا قدر في خلالها عليهما ، هذا كله إذا لم يحصل الركوب والنزول بعمل كثير بأن رفع فوضع على الدابة أو ثنى رجله فانحدر من الجانب الآخر . وجه الفرق على ظاهر الرواية أن الصلاة على الدابة واقعة مع اختلاف الأماكن وعدم الأركان الأصلية ، وبعض الشروط جوزت شرعا بخلاف القياس للحاجة إلى قطع المسافة ، ودليل الحاجة الركوب ، فإذا افتتح على الأرض انتفى دليلها المجوز وثبت دليل الاستغناء فلا يجوز معه بالإيماء ، بخلاف الافتتاح راكبا ، فإنه مع دليلها وما يتخايل فيه من بناء القوي على الضعيف وهو لا يجوز كالمومئ لمرض إذا قدر على الأركان في الأثناء لا يبني مدفوع بأن عدم بناء المريض في الفرض ولا رواية عنهم فيه في النفل ، فجاز أن يقول يبني فيه فلا يحتاج إلى الفرق وأن يقول لا يبني .

ويفرق بأن إيماء المريض اعتبر شرعا بدلا من الركوع والسجود وهو المانع فيه لاستلزامه الجمع بين البدل والأصل لا لذاته ، إذ لا يعقل وجه امتناع كون بعض الصلاة قويا وبعضها أضعف منه بعد كون كل منهما بإذن الشرع ، ومعنى البدل هو الذي لا تجوز الصلاة به إلا عند إعواز الأصل ، وهو منتف في الراكب إذ يمكنه الانتصاب في الركابين والركوع والسجود على ما أمامه ، فكان إيماؤه معتبرا أصلا في هذه الحالة فكان قويا كالركوع والسجود لا بدلا فصح البناء بهما عليه .

وقيل لما جاز للراكب أن يفتتح بالإيماء مع القدرة عليهما جاز له أن يبني بها بعد الافتتاح به ، بخلاف المريض ليس له أن يفتتح به مع القدرة عليهما ، وليس له أن يبني بهما بعد الافتتاح به . وهذا يفيد أن لا يبني في المكتوبة إذا افتتحها راكبا إذ ليس له أن يفتتحها راكبا مع القدرة عليهما بالنزول ، ولذا قيد المسألة في الكتاب به في قوله فإن افتتح التطوع .

وأما الذي اختاره المصنف في الفرق بين المفتتح راكبا إذا نزل وقلبه فمختار فخر الإسلام .

وعليه أن يقال : إن أردت أن إحرام الراكب انعقد مجوزا لهما بأن ينزل فأول المسألة وعين النزاع ، وإن أردت وهو راكب بأن يسجد على الإكاف منعنا كون الإجزاء بهما بل بالإيماء الواقع في ضمنهما . وأظهر الأمور في تقريره أن الشرع حكم بالإجزاء بمجرد الإيماء ، فيلزم الحكم بالخروج عن العهدة قبل وصول رأسه إلى الإكاف فلا يقع بهما إذ قد حصل قبلهما [ ص: 466 ] قوله وكذا عن محمد إذا نزل بعد ما صلى ركعة ) يعني يستقبل ، وأما إذا لم يتمها حتى نزل فإنه يبني إذا لم يتم كان مجرد تحريمة وهي شرط عندنا ، والشرط المنعقد للضعيف يكون شرطا للقوي ، والأصح هو الظاهر عنهم .

يعني إذا نزل يبني مطلقا لما قدمنا من أنه ليس من بناء القوي على الضعيف الممتنع ، ولما جرى فيما ذكرنا آنفا أمر النذر بالصلاة على وجه الاستشهاد أحببنا سوق بعض فروع تتعلق به تتميما : نذر شفعا بلا وضوء أو بلا قراءة يجب شفع بوضوء وقراءة . وقال زفر لا لأنه نذر ما ليس قربة ففات شرط لزومه . وعن محمد : إن سمى ما لا يصح أداء الصلاة معه كبغير طهارة لا يلزمه أو يصح في الجملة كبلا قراءة يلزمه . قلنا التزام الشيء التزام لما لا صحة له إلا به كنذر الصلاة . الصلاة إيجاب الوضوء فالصلاة قربة وقد التزمها إلا أنه ذكر ما يخرجها عن القربة فيلغو ، بخلاف ما ليس قربة أصلية . ولو نذر ركعة أو ثلاثا وجب ركعتان وأربع .

وقال زفر في الأول لا يجب شيء ، وفي الثاني ركعتان . لنا أنه التزم بعض ما لا يتجزأ فكان التزاما للكل كإيقاعه . ولو نذرت نفلا غدا فحاضت فيه قضته ، خلافا له . قال نذر بغير المشروع . قلنا : بل به لأنه أضيف إلى اليوم وهو محله . واعتراض الحيض منع الأداء لا الوجوب عند صدور النذر ، بخلاف ما لو قالت يوم حيضي .




الخدمات العلمية