الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                وأما نحن فنعتبر فيه خمسة أوصاف : [ ص: 213 ] الوصف الأول : الدين ففي الجواهر : متفق عليه ، فإن زوجها لفاسق بجوارحه فلا خلاف منصوص أن العقد لا يصح ، كان الولي أبا أو غيره ، وللزوجة ومن قام لها فسخه ، قال : وكان بعض الأشياخ يهرب من الفتيا في هذه المسألة لما يؤدي إليه من نقض أكثر الأنكحة ، وأما الفاسق باعتقاده ، فقال مالك : لا يزوج القدرية ، ولا يزوج إليهم .

                                                                                                                الوصف الثاني : الحرية ، قال : وظاهر قول ابن القاسم في الكتاب : كفاءة الرقيق يشير لقوله في ( الكتاب ) : ذات القدر إذا رضيت بعبد أو مولى : المسلمين بعضهم لبعض أكفاء ، وللعبد والمكاتب أن يتزوج ابنة سيده ، واستثقله مالك ، قال سحنون : الصحيح عدم كفايته ، وقال المغيرة : يفسخ ; لأن للناس مناكح عرفت بهم وعرفوا بها ، ونفيا للمعرة والضرر ، وفي الكتاب : قال غيره : وليس للعبد ، ومثله إذا دعت إليه ، وهي ذات قدر يكون الولي عاضلا برده ، واستثقل مالك زواج العبد والمكاتب ابنة سيده ، قال صاحب النكت : إنما استثقله ; لأنهما قد يرثهما فينفسخ النكاح ، والفرق بينه وبين تزوج أمة الولد مع توقع الإرث أن الوطء يبقى له بملك اليمين ، قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا تزوج مكاتب حرة فعرفت به بعد سنين وعرفها بنفسه ، حلفت وخيرت في البقاء ; لأن الأصل عدم العلم ، وهو ليس بكفء ، ويكون لها المسمى بالمسيس ، ولو كانت مكاتبة أو أمة فليس ( لها مقال ; لأنه كفء إلا أن تدعي أنه غرها ، وأخبرها بالحرية فتزوجته على ذلك فيحلف هو ; لأن الأصل عدم ) [ ص: 214 ] الاشتراط .

                                                                                                                فإن نكل حلفت وخيرت ، وهذا البحث منه ، والتنقل يدل على اعتبار الحرية في الكفاءة .

                                                                                                                الوصف الثالث : النسب ، ففي الكتاب : المولى كفء للعربية ; لقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( الحجرات : 13 ) ، فإن رضيت بدونها في الحسب ، وامتنع الأب أو غيره زوجها السلطان ، وفي الجواهر : وقيل ليس بكفء ، قال عبد الملك : معنى نكاح المولى العربية : إذا كان رغبة في دينه ; لقوله عليه السلام : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وهديه فزوجوه ، وإن كان عبدا أسود أجدع أجذم ) ، وإذا لم يكن كذلك فالنكاح مردود قبل البناء وبعده ، ويعاقب الناكح والمنكح والشهود .

                                                                                                                فائدة : الفرق بين النسب والحسب : أن النسب يرجع إلى الآباء والأمهات ، والحسب إلى المراتب والصفات الكريمة ، مأخوذ من الحساب ; لأن العرب كانت إذا تفاخرت حسبت مآثرها فتقول أضفنا بني فلان ، وأجرنا بني فلان ، وحملنا ، وفعلنا فسمي ذلك حسبا .

                                                                                                                الوصف الرابع : كمال الخلقة ، وفي الجواهر : يؤمر الولي باختيار كامل الخلق ; لقول عمر رضي الله عنه : لا يزوج الرجل وليته للقبيح الذميم ، ولا الشيخ الكبير ، فإن كان النقص يضر كالجنون والجذام ، أو يؤدي إلى نقص الوطء كالعيوب المثبتة للخيار أبطل الله الكفاءة ، وكان لها رد النكاح ، وإلا فلا .

                                                                                                                [ ص: 215 ] الوصف الخامس : المال ، وفي الجواهر : العجز عن حقوقها يوجب مقالها ، وكذلك القدرة على الحقوق لكنه يؤديها في مالها ، وأما غير ذلك فظاهر الكتاب : ليس لها مقال لقوله عليه السلام : ( مال الرجل حسبه ) ، وقيل : لا ، لعدم المعرة ، وروي عن ابن القاسم : إذا خالف الولي المرأة في خاطب أمره السلطان بتزويجها منه إن كافأها في القدر والحال والمال ، إن رأى منعه عضلا ، فإن أبى زوجها منه السلطان ، قال عبد الملك : على هذا القول أجمع أصحاب مالك .

                                                                                                                تنبيه قال : الكفاءة حقها ، وحق الأولياء ، فإذا اتفقت معهم على تركها جاز ، وقاله الأئمة لتزويجه - عليه السلام - ابنته لعلي - رضي الله عنه - والفرق بين أبيها وأبيه معلوم ، ولا مكافئ له في الثقلين ، وتزوج سلمان ، وبلال وصهيب ، وغيرهم من الموالي والعجم العربيات العليات ، ولم ينكر ذلك عليهم فكان إجماعا ، ولم يخالف في ذلك إلا الإمامية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال في الكتاب إذا رضي الولي بعبد ومن ليس بكفء فزوجه ، ثم طلق فامتنع الولي منه بعد ذلك لم يسمع منه ، ويؤاخذ باعترافه أولا أن زواجه مصلحة ، إلا أن يظهر على خلاف ما علمه منه أولا .

                                                                                                                [ ص: 216 ] تفريع

                                                                                                                قال اللخمي : العربي كفء للشريفة فإنه لا يشينها أما البربري والمولى فكفء إن كانت فقيرة ; لأن النسب ساقط مع الفقر عادة ، وأما الغنية : فإن كانت عادة بلدها عدم المعرة بذلك ، وإنما هو من باب الأولى ، زوجت ، وإلا فالقول قول الممتنع من الأب أو ابنته ، وأما العبد : فمعرة للغنية والفقيرة ، فإن اجتمع عليه الأب والابنة ولا عصبة لها زوجت إن كانت رشيدة بكرا أو ثيبا ، فإن كانت سفيهة ولها عصبة قريبة فلهم منعها دفعا للمعرة ، وينظر في هذا الباب إلى عادة أهل كل بلد فيحملون عليها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية