الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( والصلوات المفروضات ) العينية ( خمس ) في اليوم والليلة ، أجمع المسلمون على ذلك ، وأن غيرها لا يجب إلا لعارض كالنذر وأما الوتر فسيأتي ، والكلام على الجمعة يأتي في بابها ( الظهر ) واشتقاقها من الظهور إذ هي ظاهرة في وسط النهار ، والظهر : لغة : الوقت بعد الزوال ، وشرعا : صلاة هذا الوقت من تسمية الشيء باسم وقته ( وهي أربع ركعات ) إجماعا ( وهي ) أي : الظهر .

                                                                                                                      ( الأولى ) قال عياض : هو اسمها المعروف لبداءة جبريل عليه السلام بها لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي البداءة بها إشارة إلى أن هذا الدين ظهر أمره وسطع نوره ، من غير خفاء ولأنه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء ثلث الليل وهو وقت خفاء فلذلك ختم بالفجر لأنه وقت ظهور وفيه ضعف إشارة إلى أن هذا الدين يضعف في آخر الأمر ويبدأ ابن أبي موسى والشيرازي وأبو الخطاب بالفجر ، لبداءته صلى الله عليه وسلم بها السائل ولأنها أول اليوم فإن قيل : إيجابها كان ليلا وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر فلم لم يبدأ بها جبريل ؟ أجيب بأنه يحتمل أنه وجد تصريح أن أول وجوب الخمس من الظهر ، ويحتمل أن الإتيان بها متوقف على بيانها لأن الصلوات مجملة ، ولم يتبين إلا عند الظهر .

                                                                                                                      ( وتسمى الهجير ) لفعلها وقت الهاجرة ( ووقتها من زوال الشمس وهو ميلها عن وسط السماء ) أجمع العلماء على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لحديث جابر { أن النبي [ ص: 250 ] صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال : قم فصل الظهر حين زالت الشمس ، ثم جاءه من الغد للظهر ، فقال قم فصل ، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم قال ما بين هذين وقت } إسناده ثقات رواه أحمد والترمذي .

                                                                                                                      وقال البخاري هو أصح شيء في المواقيت وصححه ابن خزيمة والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس ونحوه ، وفيه { أن رسول الله قال أمني جبريل عند البيت مرتين وفيه فصلى الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك } وهو بشين معجمة مكسورة وراء مهملة وبالكاف : أحد سيور النعل .

                                                                                                                      ( ويعرف ذلك ) أي : ميل الشمس عن وسط السماء ( بزيادة الظل بعد تناهي قصره ) لأن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء ، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه ، فإذا زاد الظل أدنى زيادة دل على الزوال ، والظل أصله : الستر ، ومنه أنا في ظل فلان ومنه ظل الجنة ، وظل شجرها وظل الليل سواده ، وظل الشمس ما ستر الشخوص من سقطها ، ذكره ابن قتيبة قال والظل يكون غدوة وعشية من أول النهار وآخره .

                                                                                                                      والفيء لا يكون إلا بعد الزوال ; لأنه فاء أي : رجع من جانب إلى جانب ( ولكن ) ، ( لا يقصر ) الظل ( في بعض بلادخراسان لسير الشمس ناحية عنها قاله ابن حمدان وغيره ) فصيفها كشتاء غيرها ولذلك أنيط الحكم بالزوال ، دون زيادة الظل ( ويختلف الظل باختلاف الشهر والبلد ) فيقصر الظل في الصيف ، لارتفاعها إلى الجو ويطول في الشتاء لمسامتتها للمنتصب ، ويقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك .

                                                                                                                      وذكر السامري وغيره أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد وهو أطول أيام السنة لا ظل ولا فيء لوقت الزوال ، بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو المشرق ، للعلم بأنها قد أخذت مغربة ( فأقل ما ) أي : ظل لآدمي ( تزول ) الشمس عليه ( في إقليم الشام والعراق وما سامتهما ) أي حاذاهما من البلاد ( طولا : على قدم وثلث ) تقريبا ( في نصف حزيران ) وذلك مقارب لأطول أيام السنة وأطولها سابع عشر حزيران .

                                                                                                                      ( وفي نصف تموز وأيار ، على قدم ونصف وثلث ، وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة ) أقدام ( وفي نصف أذار ) بالذال المعجمة ( و ) نصف ( أيلول على أربعة ونصف ) قدم ( وفي نصف سباط ) بضم السين المهملة قاله في حاشيته .

                                                                                                                      ( و ) نصف ( تشرين الأول على ستة ) أقدام ( وفي نصف [ ص: 251 ] كانون الثاني ، وتشرين الثاني على تسعة ، وفي نصف كانون الأول على عشرة وسدس ) قدم وذلك مقارب لأقصر أيام السنة وأقصرها سابع عشر كانون الأول ( وتزول ) الشمس ( على أقل ) من ذلك ( و ) على ( أكثر ) منه ( في غير ذلك ) الوقت والإقليم فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى وألصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال الشمس .

                                                                                                                      قاله في المبدع وغيره ( وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبا ) وقد تنقص في بعض الناس يسيرا ، أو تزيد يسيرا ( ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ) الظل ( الذي زالت عليه الشمس ، إن كان ) ثم ظل زالت عليه ، لما تقدم فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل ثم تنظر الزيادة عليه فإذا بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر ( والأفضل تعجيلها ) أي : الظهر لما روى أبو برزة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير ، التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس وقال جابر { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة } متفق عليهما .

                                                                                                                      وقالت عائشة { ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر } حديث حسن ( وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب لها ) أو لغيرها مما يسن تعجيلها ( إذا دخل الوقت ) بأن يشتغل بأسباب الصلاة من حين دخول الوقت ، لأنه لا يعد حينئذ متوانيا ولا مقصرا ( إلا في شدة حر فيسن التأخير ، ولو صلى وحده حتى ينكسر ) الحر لحديث أبي هريرة مرفوعا { إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم } متفق عليه .

                                                                                                                      وفي لفظ { أبردوا بالظهر } وفيح جهنم : هو غليانها وانتشار لهبها ووهجها ( و ) إلا ( في غيم لمن يصلي ) الظهر ( في جماعة ) فيؤخرها ( إلى قرب وقت الثانية ) أي : العصر لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر في اليوم المغيم لأنه وقت يخاف فيه العوارض من المطر ونحوه ، فيشق الخروج لكل صلاة منهما ، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين ليقرب من الثانية ، لكن يخرج لهما خروجا واحدا طلبا للأسهل المطلوب شرعا .

                                                                                                                      ( في غير صلاة جمعة فيسن تعجيلها في كل حال بعد الزوال ) حرا كان أو غيما أو غيرهما لقول سهل بن سعد ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وقال سلمة بن الأكوع { كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنتتبع [ ص: 252 ] الفيء } متفق عليهما .

                                                                                                                      ( وتأخيرها ) أي : الظهر ( لمن تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها ) أي الجمعة أفضل من فعلها قبله ( و ) تأخير الظهر ( لمن يرمي الجمرات ) أيام منى ( حتى يرميها أفضل ) من فعلها قبله ( ويأتي ) ذلك في صفة الحج موضحا .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية