الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ومن ) ( أراد السجود كبر ولم يرفع يديه وسجد ، ثم كبر ورفع رأسه ) اعتبارا بسجدة الصلاة ، وهو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ( ولا تشهد عليه ولا سلام ) ; لأن ذلك للتحلل ، وهو يستدعي سبق التحريمة ، وهي منعدمة . قال : ( ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها ويدع آية السجدة ) ; لأنه يشبه الاستنكاف عنها ( ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها ) ; لأنه مبادرة إليها ، قال محمد رحمه الله : أحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعا لوهم التفضيل ، واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين ، والله أعلم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ومن أراد السجود ، كبر ، ولم يرفع يديه ، وسجد ، ثم كبر ، ورفع رأسه ، ولا تشهد عليه ، ولا سلام ، هو المروي عن ابن مسعود ، قلت : غريب ، .

                                                                                                        وأخرج أبو داود عن عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فإذا مر بسجدة ، كبر ، وسجد ، وسجدنا معه }انتهى . [ ص: 215 ] وعبد الله بن عمر العمري فيه مقال .

                                                                                                        وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحسن ، وعطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير أنهم كانوا لا يسلمون في " السجدة " ، وأخرج عن الحسن ، قال : إذا قرأ الرجل " السجدة " ، فليكبر إذا رفع رأسه ، وإذا سجد انتهى .

                                                                                                        وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن الحسن ، قال : ليس في السجود تسليم . انتهى



                                                                                                        أحاديث السجدتين في الحج : أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن لهيعة ثنا مشرح بن هاعان سمعت { عقبة بن عامر ، يقول : قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ ، قال : نعم ، فمن لم يسجدهما ، فلا يقرأهما } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " ، والحاكم في " مستدركه " وقال الترمذي : ليس إسناده بالقوي ، وقال الحاكم : هذا حديث لم نكتبه مسندا إلا من هذا الوجه ، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة ، إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين عن { عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن : منها ثلاث عشرة سجدة في المفصل وفي الحج سجدتان }. انتهى ، ورواه الحاكم أيضا ، وقال : قد احتج الشيخان بأكثر رواته ، وليس في عد سجود القرآن أتم منه . انتهى .

                                                                                                        وعبد الله بن منين فيه جهالة ، قال عبد الحق في " أحكامه " : وعبد الله بن منين لا يحتج به ، قال ابن القطان : وذلك لجهالته ، فإنه لا يعرف روى عنه غير الحارث بن سعيد العتقي ، وهو رجل لا يعرف له حال ، فالحديث من أجله لا يصح ، قال : وقد وقع لابن أبي حاتم تصحيف في اسمه ، وفي نسبه ، فقال : عبد الله بن منير ، وإنما هو : منين " بنونين وميم مضمومة " ، وقال فيه : من بني عبد الدار ، وصوابه من بني عبد كلال : هكذا هو في " كتاب أبي داود وتاريخ البخاري " . انتهى كلامه .

                                                                                                        [ ص: 216 ] حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين ، }انتهى . قال أبو داود : وقد أسند هذا ، ولا يصح . انتهى . الآثار : أخرج مالك في " موطئه " عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : فضلت سورة الحج على سائر السور بسجدتين ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال : في الحج سجدتان ، وأخرج عن عمر وابن عمر وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبي موسى وأبي الدرداء ، أنهم سجدوا في الحج سجدتين



                                                                                                        أحاديث السجود في ( ص ) : احتج أصحابنا على أنها من سجود التلاوة ، بما أخرجه الدارقطني عن حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص }. انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني في علله : انفرد به حفص ، وخالفه إسماعيل بن حفص وغيره عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سجد في { إذا السماء انشقت } } ، وهو الصواب . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه النسائي في " سننه " أخبرني إبراهيم بن الحسن التيمي ثنا حجاج بن محمد عن عمرو بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في ص ، وقال : سجدها نبي الله داود توبة ، ونسجدها شكرا }انتهى .

                                                                                                        أخرج الدارقطني عن عبد الله بن بزيع عن عمرو بن ذر به ، لكنه لم ينفرد . { حديث آخر } : رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن بكر بن عبد الله المزني عن { أبي سعيد ، قال : رأيت رؤيا ، وأنا أكتب سورة ص فلما بلغت السجدة ، رأيت الدواة والقلم ، وكل شيء يحضرني ، انقلب ساجدا ، قال : فقصصتها على رسول الله [ ص: 217 ] صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجدها } ، وذكر الدارقطني في " علله " ، اختلافا . أحاديث الخصوم : احتج ابن الجوزي في " التحقيق " للقائلين : بأنها سجدة شكر ، لا تلاوة ، بحديث أخرجه البخاري عن { ابن عباس ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في ص قال ابن عباس : وليس من عزائم السجود }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح عن { أبي سعيد الخدري ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقرأ ص : فلما مر بالسجود فنزل ، فسجد ، وسجدنا معه ، وقرأها مرة أخرى ، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود ، فلما رآنا ، قال : إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تشزنتم ، أراكم قد استعددتم للسجود ، فنزل ، فسجد ، وسجدنا }. انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الحاكم في " المستدرك " في تفسير سورة ( ص ) وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى . وعندي أنهما حجة لنا ، قال النووي في " الخلاصة " : سنده صحيح على شرط البخاري ، قال : وتشزنا " مثناة من فوق ، ثم شين معجمة ، ثم زاي مشددة ، بعدها نون " تهيأنا . انتهى



                                                                                                        أحاديث السجود في " الانشقاق " : أخرج البخاري ومسلم عن أبي رافع أن { أبا هريرة قرأ { إذا السماء انشقت }فسجد ، فقلت : ما هذه السجدة ؟ قال : لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجدها ، لم أسجد ، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه } ، وأخرجوا إلا الترمذي عنه أيضا ، قال : { سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت }و { اقرأ باسم ربك } }. انتهى . ورواه مالك في " الموطأ " ، مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن { أبي هريرة ، أنه قرأ لهم { إذا السماء انشقت }فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها }. انتهى .

                                                                                                        [ ص: 218 ] أحاديث الخصوم : واحتج لمالك في ترك السجود بحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عثمان بن فائد عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن المهدي بن عبد الرحمن حدثتني عمتي { أم الدرداء ، قالت : حدثني أبو الدرداء أنه سجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، ليس فيها شيء من المفصل الأعراف والرعد والنحل ، وبني إسرائيل ومريم والحج ، والفرقان والنمل ، والسجدة و ص ، وحم السجدة }. انتهى . وعثمان بن فائد ، قال ابن حبان ، لا يحتج به ، ووهاه ابن عدي ، وقال أبو داود في " سننه " : وروي عن أبي الدرداء { عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة } ، وإسناده واه ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود عن أبي قدامة عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل ، منذ تحول إلى المدينة } ، قال عبد الحق في " أحكامه " : إسناده ليس بقوي ، ويروى مرسلا ، والصحيح حديث أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { إذا السماء انشقت } } ، وإسلامه متأخر ، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة .

                                                                                                        وقال ابن عبد البر : هذا حديث منكر ، وأبو قدامة ليس بشيء ، وأبو هريرة لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة ، وقد رآه يسجد في { الانشقاق والقلم } . انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : وأبو قدامة الحارث بن عبيد ، قال فيه ابن حنبل : مضطرب الحديث ، وضعفه ابن معين .

                                                                                                        وقال النسائي : صدوق ، وعنده مناكير ، وقال أبو حاتم البستي : كان شيخا صالحا ، وكثر وهمه ، ومطر الوراق كان سيئ الحفظ حتى كان يشبه في سوء الحفظ بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، قال : ليس في " المفصل " سجدة ، أخبرنا ابن جريج عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وابن عمر ، قالا : ليس في " المفصل " سجدة . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية