الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب في بيوع الذرائع الربوية

وهاهنا شيء يعرض للمتبايعين إذا قال أحدهما للآخر بزيادة أو نقصان ، وللمتبايعين إذا اشترى أحدهما من صاحبه الشيء الذي باعه بزيادة أو نقصان وهو أن يتصور بينهما من غير قصد إلى ذلك تبايع ربوي ، مثل أن يبيع إنسان من إنسان سلعة بعشرة دنانير نقدا ، ثم يشتريها منه بعشرين إلى أجل ، فإذا أضيفت البيعة الثانية إلى الأولى استقر الأمر على أن أحدهما دفع عشرة دنانير في عشرين إلى أجل ، وهذا هو الذي يعرف ببيوع الآجال . فنذكر من ذلك مسألة في الإقالة ، ومسألة من بيوع الآجال إذ كان هذا الكتاب ليس المقصود به التفريع ، وإنما المقصود فيه تحصيل الأصول .

مسألة [ في الإقالة ]

لم يختلفوا أن من باع شيئا ما كأنك قلت عبدا بمائة دينار مثلا إلى أجل ، ثم ندم البائع فسأل المبتاع أن [ ص: 509 ] يصرف إليه مبيعه ، ويدفع إليه عشرة دنانير مثلا نقدا ، أو إلى أجل ، أن ذلك يجوز وأنه لا بأس بذلك ، وأن الإقالة عندهم إذا دخلتها الزيادة والنقصان هي بيع مستأنف ، ولا حرج في أن يبيع الإنسان الشيء بثمن ثم يشتريه بأكثر منه ، لأنه في هذه المسألة اشترى منه البائع الأول العبد الذي باعه بالمائة التي وجبت له وبالعشرة مثاقيل التي زادها نقدا أو إلى أجل ، وكذلك لا خلاف بينهم لو كان البيع بمائة دينار إلى أجل ، والعشرة مثاقيل نقدا أو إلى أجل . وأما إن ندم المشتري في هذه المسألة ، وسأل الإقالة على أن يعطي البائع العشرة المثاقيل نقدا أو إلى أجل أبعد من الأجل الذي وجبت فيه المائة ، فهنا اختلفوا ، فقال مالك : لا يجوز ، وقال الشافعي : يجوز; ووجه ما كره من ذلك مالك أن ذلك ذريعة إلى قصد بيع الذهب بالذهب إلى أجل ، وإلى بيع ذهب وعرض بذهب ، لأن المشتري دفع العشرة مثاقيل ، والعبد في المائة دينار التي عليه ، وأيضا يدخله بيع وسلف كأن المشتري باعه العبد بتسعين وأسلفه عشرة إلى الأجل الذي يجب عليه قبضها من نفسه لنفسه .

وأما الشافعي : فهذا عنده كله جائز لأنه شراء مستأنف ، ولا فرق عنده بين هذه المسألة وبين أن تكون لرجل على رجل مائة دينار مؤجلة ، فيشتري منه غلاما بالتسعين دينارا التي عليه ويتعجل له عشرة دنانير ، وذلك جائز بإجماع . قال : وحمل الناس على التهم لا يجوز .

وأما إن كان البيع الأول نقدا فلا خلاف في جواز ذلك ، لأنه ليس يدخله بيع ذهب بذهب نسيئة ، إلا أن مالكا كره ذلك لمن هو من أهل العينة ( أعني : الذي يداين الناس ) ، لأنه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصلان إليه بما أظهرا من البيع من غير أن تكون له حقيقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية