الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في مراسيل التابعين: أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا، وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول ، في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر.

وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه: تقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادة المستور، ولذلك وجه متجه كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور على ما سبق آنفا. والله أعلم.

[ ص: 304 ]

التالي السابق


[ ص: 304 ] 31 - قوله حكاية عن نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين: (يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا، وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول ، في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر) انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث إن الشافعي رضي الله عنه إنما يقبل من المراسيل التي اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار التابعين بشروط أخرى في من أرسل، كما نص عليه في (الرسالة) فقال: "والمنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور:

[ ص: 305 ] منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه. فإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده - قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل وافقه مرسل غيره من قبل العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم؟ فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى.

فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله، وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه، ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديثه لم يخالفه، فإن خالفه فوجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله". قال: "وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله" ثم قال:

[ ص: 306 ] فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور:

أحدها: أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه.

والآخر: أنه وجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه.

والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه".

هذه عبارة الشافعي - رحمه الله - في الرسالة، ورواها عنه بالإسناد الصحيح البيهقي في المدخل، والخطيب في الكفاية.

وعلى هذا فإطلاق الشيخ النقل عن الشافعي ليس بجيد، وقد تبعه على ذلك الشيخ محيي الدين في عامة كتبه، ثم تنبه لذلك في شرح الوسيط المسمى بالتنقيح، وهو من أواخر تصانيفه، فقال فيه: "وأما الحديث المرسل [ ص: 307 ] فليس بحجة عندنا، إلا أن الشافعي قال: يجوز الاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة ..." فذكرها.

وقول النووي هنا: "يجوز الاحتجاج" أخذه من عبارة الشافعي في قوله: "أحببنا أن نقبل مرسله" وقد قال البيهقي في المدخل: "إن قول الشافعي: (أحببنا) أراد به اخترنا" انتهى.

وعلى هذا فلا يلزم أن يكون الاحتجاج به جائزا فقط، بل يقال: اختار الشافعي الاحتجاج بالمرسل الموصوف بما ذكر. أما كونه على سبيل الجواز أو الوجوب فلا يدل عليه كلامه. والله أعلم.




الخدمات العلمية