الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3654 3867 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، حدثنا إسماعيل، حدثنا قيس قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم: لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم، ولو أن أحدا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض. [انظر: 3862- فتح: 7 \ 187]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: قول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر- رضي الله عنه-. وقد أسلفناه في مناقبه.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عمر بن محمد قال: فأخبرني زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينا هو في الدار خائفا، إذ جاءه العاصي بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلة حبرة، وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت. قال: لا سبيل إليك. بعد أن قالها أمنت، فخرج العاصي، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، قال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه. فكر الناس.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 498 ] الحبرة - بكسر الحاء وفتح الراء-: برد موشى مخطط. وكفة القميص: حاشيته بالضم، وإذا استطال الثوب كف أي: عطف، وعبارة الداودي الحبر: ثياب تصبغ باليمن وهي مستحبة في الكفن قلت: للتأسي به.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (صبأ): خرج من دينه إلى دين آخر ومنه الصابئون، ومعنى (فكر الناس): رجعوا.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              قول ابن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبأ عمر - وأنا غلام فوق ظهر بيتي- فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: صبأ عمر. فما ذاك؟ فأنا له جار. قال: فرأيت الناس تصدعوا فقلت: من هذا؟ قالوا: العاصي بن وائل.

                                                                                                                                                                                                                              القباء: بفتح القاف ممدود من قبوت الشيء إذا جمعته، قاله ابن دريد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وأنا غلام) جاء أنه ابن خمس سنين، وفي رواية: قلت: يا أبة من هذا جزاه الله خيرا. قال: العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا. قوله: (فوق ظهر بيتي) أنكره الداودي، وقال: المحفوظ: فوق ظهر بيتنا. وتعقبه ابن التين وقال: إنه ليس بصحيح لأنها الآن بيته، وكانت قبل هذا لأبيه، فإنه كان حكى أنه كان على ظهر بيته الذي هو الآن ملكه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 499 ] رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن عمر: ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا. إلا كان كما يظن، بينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل. فدعي به، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل رجلا مسلما. قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينا أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع، قالت:

                                                                                                                                                                                                                              ألم تر الجن وإبلاسها

                                                                                                                                                                                                                              ويأسها من بعد (إنساكها)

                                                                                                                                                                                                                              ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟

                                                                                                                                                                                                                              قال عمر: صدقت بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخا أشد صوتا منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فوثب القوم، فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت فما نشبت أن قيل: هذا نبي.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (ما سمعت عمر..) إلى آخره هو من قوله- عليه السلام-: "إن يكن في أمتي محدثون فإنه عمر- رضي الله عنه-).

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 500 ] وقوله: (فما أعجب ما جاءتك به جنيتك) هو من استراق الجن السمع إذا قضى الله أمرا صعق الملائكة حين يسمعون كلامه حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق [سبأ: 23]، فيذكرون ما سمعوا فيسمعه من يليهم فيذكرونه ثم كذلك حتى يتكلم به ملائكة الهواء، فتخطف الجن الخطفة فتلقها إلى جن يليه قبل أن يأخذه الشهاب، فيوحيها إلى الكاهن، فيزيدون فيها أكثر من مائة كذبة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وإبلاسها) أي: يأسها، قاله ابن فارس، أو إبعادها كما قاله الداودي، احتج ابن فارس بقوله: فإذا هم مبلسون [الأنعام: 44]، ومنه اشتق إبليس.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (من بعد إنساكها) يعني: أنها يئست من السمع بعد أن كانت ألفته. قال ابن فارس: النسك المكان الذي يألفه، وروى الداودي: من بعد إيناسها، وقال: يعني أنها كانت تأنس إلى ما تسمع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟) يعني: تفرقهم ونفارهم; كراهة الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (يا جليح) إما أن يكون نادى اسما أو أراد الارتفاع. والنجيح: الظافر بحاجته والمصيب من الآراء نجيح.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: هذا الرجل الجميل هو سواد بن قارب كما ذكره البيهقي في "دلائله".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 501 ] أنا ابن الصباح، أنا ابن لاحق، أنا ابن الطباع، أنا أبو الحسن عبد الله بن محمد الثقفي، أنا جدي الحافظ أبو بكر، أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، أنا أبو عبد الله الصفار، أنا أبو جعفر أحمد بن موسى، ثنا زياد بن يزيد بن بارويه ثنا محمد بن تراس الكوفي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما. في حديث طويل وأنه كان نازلا بالهند وكان له (رئي) من الجن.

                                                                                                                                                                                                                              قال: بينا أنا نائم إذ جاءني فقال: قم واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول من لؤي بن غالب ثم أنشأ يقول:


                                                                                                                                                                                                                              عجبت للجن (وأجناسها) وشدها العيس بأحلاسها تسعى إلى مكة تبتغي الهدى
                                                                                                                                                                                                                              ما مؤمنوها مثل أرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم
                                                                                                                                                                                                                              واسم بعينيك إلى راسها



                                                                                                                                                                                                                              قال: ثم انتهى وأفزعني وقال: يا سواد، إن الله-عز وجل- بعث نبيا فانهض إليه تهتد وترشد.

                                                                                                                                                                                                                              فلما كان في الليلة الثانية أتاني فأنبهني ثم قال:


                                                                                                                                                                                                                              عجبت للجن وتطلابها وشدها العيس بأقتابها
                                                                                                                                                                                                                              تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس قداماها كأذنابها
                                                                                                                                                                                                                              فانهض إلى الصفوة من هاشم واسم بعينيك إلى نابها



                                                                                                                                                                                                                              فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني فقال:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 502 ]

                                                                                                                                                                                                                              عجبت للجن وتخبارها وشدها العيس بأكوارها
                                                                                                                                                                                                                              تهوي إلى مكة تبغي الهدى ليس ذوو الشرك كأحبارها
                                                                                                                                                                                                                              فانهض إلى الصفوة من هاشم ما مؤمنو الجن ككفارها



                                                                                                                                                                                                                              قال فوقع في قلبي الإسلام، وأتيت المدينة، فلما رآني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "مرحبا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قد قلت شعرا.





                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية