الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3683 3896 - حدثني عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين.

                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 3894- مسلم: 1422- فتح: 7 \ 224]

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 517 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 517 ] ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكت، فتمرق شعري فوفى جميمة، فأتتني أمي-أم رومان- وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي.. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قولها: (بنت ست) ذكر غيره أنها بنت سبع، ويجمع بينهما أنها كملت ستا، ودخلت في السابعة، فمن قال: ست أراد تامة، ومن قال: سبع أراد شرعت فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فنزلنا في بني الحارث) يعني: أهل أبي بكر.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فوعكت) أي: مرضت. قاله الداودي، وعك: أي مرض وحمي (...) وقال: هو مغث المرض أي: (...) وقيل: إنه انزعاج المريض الحمى وتحريكها إياها.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فتمرق شعري)، هو بالزاي أي: تقطع وتساقط، وبالراء أي: انتثر وأنتف، يقال: مرقت الإهاب نزعت عنه الصوف كذا عند أبي ذر، وبالزاي عند أبي الحسن.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فوفى جميمة) الجمة من الإنسان مجتمع شعر ناصيته، قاله ابن فارس، وقال شمر: إنها أكثر من الوفرة. قال: وهي الجمة إذا سقطت عن المنكبين، والوفرة حتى شحمة الأذنين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 518 ] وقولها: (وإني لفي أرجوحة) أي: العلو، قاله الداودي. وقال الجوهري: ترجحت الأرجوحة بالغلام: مالت فإن أراد الداودي بالعلو نقيض (...) فهي العليا، وإن أراد (...) السفل، فليست (...) وجه (...).

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (حتى أوقفتني على باب الدار) كذا وقع، والمشهور في اللغة كما قال ابن التين: وقفت، ثلاثي.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي) قال ابن فارس: يقال: أتانا فلان ينهج، أي: مبهورا النفس.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الهروي: معنى أنهج: أربو وأتنفس، يقال: نهج وأنهج. وقال أبو عبيدة: لا يقال: نهج.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: معناه أنها خفق فؤادها من الروع، فإنها أحست شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              وقولهن: (على الخير والبركة) هو تفاؤل ودعاء.

                                                                                                                                                                                                                              وقولهن (على خير طائر) أي: على خير حظ ونصيب.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فلم يرعني إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-) أي يفاجئني، وإنما يقال ذلك في الشيء (لا) تتوقعه فيهجم عليك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 519 ] الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديثها أيضا أنه- عليه السلام- قال لها: "أريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سرقة من حرير، ويقول: هذه امرأتك فاكشف عنها. فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قوله (سرقة من حرير) قطعة منه، وكان الأصمعي يقول: السرقة دخيلة في العرب من كلام الفرس (وانتقده) في كلامهم، سره، جيد، ووصف أعرابي رجلا فقال: لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة، وقال الداودي: السرقة: الثوب، وسيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عروة قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما خديجة رضي الله عنها فماتت قبل الهجرة من غير شك، وماتت في رمضان سنة عشر كما مر في ترجمتها.

                                                                                                                                                                                                                              وأما تزوجه عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست فهو الصواب، وقيل فيه أيضا بنت سبع كما سلف، وهو ضعيف، وبنى بها بالمدينة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] بعد منصرفه من وقعة بدر في شوال سنة اثنين من الهجرة، وكونها بنى بها وهي بنت تسع فهو الصواب.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره، وأغرب منه أنه بعد الهجرة بسبعة أشهر، وهو واه.

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر إيراد عروة أنه تزوجها بعد خديجة، وكأن المعروف خلافه، وإنما تزوج بسودة بعد موت خديجة، وقبل العقد على عائشة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: أول نسائه خديجة ثم سودة ثم عائشة. ثم عد الباقي، ومنهم من قال: عائشة قبلها.

                                                                                                                                                                                                                              قال الماوردي: الفقهاء يقولون: تزويج عائشة قبل سودة، والمحدثون يقولون: سودة. وقال الشيخ أبو محمد في "جامع المختصر": (إنه عقد على عائشة ولم يدخل بها، ودخل بسودة) بنى على عائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر فعلى هذا يكون عمرها حينئذ خمس سنين وأشهرا.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: قد يكون قوله في البخاري: قبل مخرجه بثلاث سنين أي: وأشهر فسمى الشيء باسم ما يقاربه، وتزوجها بعد ذلك قبل الهجرة بقريب من السنتين، ودخل بها بعد الهجرة بسنة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الدمياطي: والصواب أنه تزوج سودة بعد خديجة في رمضان سنة ماتت خديجة، ثم تزوج عائشة في شوال سنة عشر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 521 ] وقوله: (ثم بنا بها) أنكره بعضهم. قال: والصحيح: بنى عليها، قال بعض أهل اللغة: وأصله أن يبني على زوجته قبة من أدم عند أخذه لها.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              أقامت عنده تسعا وعاشت بعده ثمانيا وأربعين سنة وماتت في رمضان سنة ثمان وخمسين أو سنة خمس وخمسين. أو سنة ست أو سبع في رمضان أو شوال، قولان فقاربت سبعا وستين سنة أو بلغتها، قاله الهيثم بن عدي.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية