الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منقبة أهل بدر والحديبية وأهل بيعة الرضوان

عن علي -عليه السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة ، وفي رواية: «فقد غفرت لكم» الحديث بطوله متفق عليه.

وفيه قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه-، والمعنى: اعملوا ما شئتم من الأعمال الصالحة، والأفعال النافلة، قليلة أو كثيرة. كذا في «المرقاة».

وقال في «الترجمة»: الأقرب أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لعل» ورد لأجل ألا يعتمدوا ويتكلوا ويقعدوا عن العمل.

وقوله: «اعملوا ما شئتم» لأجل إظهار الكرم والعناية، لا للرخصة فيفعلوا ما شاءوا. انتهى.

وقوله: «لعل» في كلام الله وكلام رسوله تأتي للتحقيق لا للشك، والترغيب، فالمراد به: الإخبار بكونهم من أهل الجنة قطعا. والمراد بـ «اعملوا ما شئتم»: أنكم لا تؤاخذون على ما يصدر منكم من الذنوب الصغائر؛ لسبق حكم المغفرة فيكم. ويدل له قصة حاطب -رضي الله عنه- فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- عفا زلته في الكتابة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

واعتذر « حاطب » بقوله: وما فعلت كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. [ ص: 453 ] فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنه صدقكم».

وعلى هذا حمل الحديث على العمل الصالح والنفل، ليس كما ينبغي، بل فيه بشارة عظمى وفضيلة كبرى؛ حيث عفا الله عنهم المعاصي الصادرة عن جهل وعذر، وإن فرض وقوعها منهم، ولا يساوي ذلك فضيلة أخرى، فليس بعد غفران الله ورضوانه شيء.

وعن رفاعة بن رافع -رضي الله عنه- قال: جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فسأل: «ما تعدون أهل «بدر» فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها؟ قال: وكذلك من شهد «بدرا» من الملائكة رواه البخاري .

فيه: أن أهل بدر أفضل أهل الإسلام، والملائكة الحاضرون في تلك الوقعة أفضل ملائكة الرحمن.

وعن حفصة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لأرجو ألا يدخل النار -إن شاء الله- أحد شهد بدرا والحديبية»، قلت: يا رسول الله! أليس قد قال الله تعالى: وإن منكم إلا واردها ؛ أي: يمر عليها كان على ربك حتما مقضيا [مريم: 71]؟ قال: «فلم تسمعيه يقول: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [مريم: 72]، قال النووي : الصحيح أن المراد بالورود: المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها، وينجو الآخرون.

قال الطيبي : وأقول هو الوجه على ما ظهر بأدنى تأمل. انتهى.

وفي رواية: « لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها » رواه مسلم . فيه بشارة عظيمة، وفضيلة فخيمة لأهل « بدر » و « الحديبية »، وأهل بيعة الرضوان، وأنهم من أصحاب الجنة يقينا -إن شاء الله تعالى- ورجاء الرسول له حكم القطع.

[ ص: 454 ] وعن جابر -رضي الله عنه-: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: « أنتم خير أهل الأرض » متفق عليه. والخيرية تدل على كونهم من أهل الجنة. وفي عدد أهلها خلاف بين أهل العلم، منهم من أكثر، ومنهم من أقل.

التالي السابق


الخدمات العلمية