الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من النهي ، عن الصلاة في هذه الأوقات الخمسة ، فالمراد بالنهي بعض البلدان دون بعض ، وبعض الأيام دون بعض ، وبعض الصلوات دون بعض ، فأما تخصيص بعض البلدان فمكة مخصوصة من سائر البلدان بجواز الصلاة فيها في سائر الأوقات المنهي عنها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : مكة في النهي كغيرها لعموم الأخبار المقدم ذكرها .

                                                                                                                                            [ ص: 274 ] والدلالة على تخصيصها من النهي رواية أبي ذر الغفاري : أنه قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها إلا بمكة .

                                                                                                                                            وروى جبير بن مطعم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا بني عبد مناف ، من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار .

                                                                                                                                            فإذا ثبت تخصيص مكة فقد اختلف أصحابنا في تخصيصها على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي بكر القفال : إنها مخصوصة بركعتي الطواف ، وجواز فعلها في جميع الأوقات دون سائر النوافل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أصح ، وبه قال أبو إسحاق المروزي ، وجمهور أصحابنا إنها مخصوصة بجواز فعل النوافل كلها في الأوقات المنهي عنها لعموم التخصيص ، وعلى هذين الوجهين اختلفوا في تنفل الرجل في منزله بمكة وسائر الحرم ، فأحد الوجهين ، وهو قول أبي بكر القفال لا يجوز . والثاني : هو قول أبي إسحاق يجوز ، فإن قيل : فما المعنى في تخصيص مكة من سائر البلاد وتمييزها من غيرها .

                                                                                                                                            قيل : حراسة الله سبحانه لها من أن يختطفها شيطان فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وكل الله عز وجل بأطراف الحرم سبعين ألفا من الملائكة يحرسونه من الشياطين .

                                                                                                                                            وأما تخصيص بعض الأيام فيوم الجمعة عند قيام الظهيرة ، وانتصاف النهار مخصوص بجواز التنفل فيه دون باقي الأوقات الأربعة المنهي عنها : لرواية سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ولأن اشتغاله بالصلاة يطرد عنه النوم المفضي إلى نقض الطهارة لصلاة الجمعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية