الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 367 ] فصل : قال أصحابنا : لا تسن الفرعة ولا العتيرة . وهو قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين ، فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ، ويروي فيها شيئا . والفرعة والفرع ; بفتح الراء : أول ولد الناقة . كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها . قال ذلك أبو عمرو الشيباني . وقال أبو عبيد العتيرة هي الرجبية ، كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمرا ، نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب ، وهي العتائر . والصحيح ، إن شاء الله تعالى ، أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر ، جعلوا ذلك سنة فيما بينهم ، كالأضحية في الأضحى ، وكان منهم من ينذرها كما قد تنذر الأضحية ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم { على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة } . وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام تقرير لما كان في الجاهلية ، وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ، ثم نسخ ذلك بعد . ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة ، فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت كان ، لزمه الوفاء بنذره . والله أعلم .

                                                                                                                                            وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة ، من كل خمس واحدة } . قال ابن المنذر : هذا حديث ثابت . ولنا ما روى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا فرع ، ولا عتيرة . } متفق عليه . وهذا الحديث متأخر عن الأمر بها ، فيكون ناسخا ، ودليل تأخره أمران ; أحدهما ، أن راويه أبو هريرة ، وهو متأخر الإسلام ، فإن إسلامه في سنة فتح خيبر ، وهي السنة السابعة من الهجرة . والثاني ، أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام ، فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه ، واستمرار النسخ من غير رفع له ، ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها ، لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها ، وهذا خلاف الظاهر .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة ، لا تحريم فعلها ، ولا كراهته ، فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب ، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك ، أو للصدقة به وإطعامه ، لم يكن ذلك مكروها ، والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية