الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7331 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عمرو قال : حدثني أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغة بغير أمرها ، ولا استئذانها ممن رأى ، ولا رأي لها في ذلك معه عندهم .

                                                        قالوا : ولما قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الأثرين المذكورين في أول هذا الباب بما ذكر فيهما من الصمات ، والمحكوم له بحكم الإذن إلى اليتيمة ، وهي التي لا أب لها ، دل ذلك أن ذات الأب في ذلك بخلافها ، وأن أمر أبيها عليها أوكد من أمر سائر أوليائها بعد أبيها .

                                                        وممن ذهب إلى هذا القول مالك بن أنس رحمة الله عليه .

                                                        وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : ليس لولي البكر أبا كان أو غيره أن يزوجها إلا بعد استئماره إياها في ذلك وبعد صماتها عند استئماره إياها .

                                                        وقالوا : ليس في قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الأثرين المرويين في ذلك في أول هذا الباب إلى اليتيمة ما يدل أن غير اليتيمة في ذلك على خلاف حكم اليتيمة .

                                                        إذ قد يجوز أن يكون أراد بذلك سائر الأبكار اليتامى وغيرهن .

                                                        وخص اليتيمة بالذكر ، إذ كان لا فرق بينها في ذلك وبين غيرها ، ولأن السامع ذلك منه في اليتيمة البكر ، يستدل به على حكم البكر غير اليتيمة .

                                                        وقد رأينا مثل هذا في القرآن ، قال الله عز وجل فيما حرم من النساء : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن .

                                                        فذكر الربيبة التي في حجر الزوج ، فلم يكن ذلك على تحريم الربيبة التي في حجر الزوج دون الربيبة التي هي أكبر منه .

                                                        [ ص: 365 ] بل كان التحريم عليهما جميعا .

                                                        فكذلك ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البكر اليتيمة ليس على اليتيمة البكر خاصة بل هو على البكر اليتيمة وغير اليتيمة .

                                                        وكان ما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك في اليتيمة البكر دليلا لهم أن ذات الأب فيه كذلك ، إذ كانوا قد علموا أن البكر قبل بلوغها ، إلى أبيها عقد البياعات على أموالها ، وعقد النكاح على بضعها .

                                                        ورأوا بلوغها يرفع ولاية أبيها عليها في العقود على أموالها ، فكذلك يرفع عنها العقود على بضعها .

                                                        ومع هذا فقد روى أهل هذا المذهب لمذهبهم آثارا ، احتجوا له بها ، غير أن في بعضها طعنا على مذهب أهل الآثار ، وأكثرها سليم من ذلك ، وسنأتي بها كلها ، وبعللها وفساد ما يفسده أهل الآثار منها في هذا الباب ، إن شاء الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية