الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7401 - حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني سعيد وأبو سلمة ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله ، غير أنه قال : يا صفية يا فاطمة .

                                                        ففي هذا الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين ، دعا عشائر قريش ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثاني ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الثالث ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الرابع ، وفيهم من يلقاه عند أبيه الخامس ، وفيهم من يلقاه عند أبيه السادس ، وفيهم من يلقاه عند آبائه الذين فوق ذلك ، إلا أنه ممن قد جمعته وإياه قريش .

                                                        فبطل بذلك قول أهل هذه المقالة ، وثبت إحدى المقالات الأخر .

                                                        ونظرنا في قول من قدم من قرب رحمه ، على من هو أبعد رحما منه .

                                                        فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى ، عم به بني هاشم ، وبني المطلب ، وبعض بني هاشم أقرب إليه من بعض ، وبعض بني المطلب أيضا أقرب إليه من بعض .

                                                        [ ص: 389 ] فلما لم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من من ذلك ، من قرب رحمه منه ، على من هو أبعد إليه رحما منه ، وجعلهم كلهم قرابة له ، لا يستحقون ما جعل الله عز وجل لقرابته .

                                                        فكذلك من بعدت رحمه في الوصية لقرابة فلان ، لا يستحق بقرب رحمه منه شيئا ، مما جعل لقرابته إلا كما يستحق سائر قرابته ، ممن رحمه منه أبعد من رحمه ، فهذه حجة .

                                                        وحجة أخرى ؛ أن أبا طلحة لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل أرضه في فقراء القرابة ، جعلها لحسان ولأبي .

                                                        وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه السابع ، ويلتقي هو وحسان عند أبيه الثالث .

                                                        ولأن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام .

                                                        وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام .

                                                        فلم يقدم أبو طلحة في ذلك حسانا ؛ لقرب رحمه منه ، على أبي ؛ لبعد رحمه منه ، ولم يروا أحدا منهما مستحقا لقرابته منه في ذلك منه ، إلا كما يستحق منه الآخر .

                                                        فثبت بذلك فساد هذا القول .

                                                        ثم رجعنا إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة ، رحمه الله ، فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما قسم سهم ذوي القربى ، أعطى بني هاشم جميعا ، وفيهم من رحمه منه رحم محرمة ، وفيهم منه من رحمه منه غير محرمة .

                                                        وأعطى بني المطلب معهم ، وأرحامهم جميعا منه غير محرمة .

                                                        وكذلك أبو طلحة أعطى أبيا وحسانا ، ما أعطاهما ، على أنهما قرابة ، ولم يخرجهما من قرابته ارتفاع الحرمة من رحمهما منه .

                                                        فبطل بذلك أيضا ، ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله .

                                                        ثم رجعنا إلى ما ذهب إليه أبو يوسف ، ومحمد رحمهما الله ، فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعطى سهم ذوي القربى ، بني هاشم ، وبني المطلب ، ولا يجتمع هو ، وواحد منهم إلى أب ، منذ كانت الهجرة .

                                                        وإنما يجتمع هو وهم ، عند آباء كانوا في الجاهلية .

                                                        وكذلك أبو طلحة وأبي ، وحسان ، لا يجتمعون عند أب إسلامي ، وإنما يجتمعون عند أب كان في الجاهلية ، ولم يمنعهم ذلك أن يكونوا قرابة له ، يستحقون ما جعل للقرابة .

                                                        فكذلك قرابة الموصي ؛ لقرابته لا يمنعهم من تلك الوصية إلا أن لا يجمعهم وإياه أب ، منذ كانت الهجرة .

                                                        فبطل بذلك قول أبي يوسف ، ومحمد رحمهما الله ، وثبت القول الآخر .

                                                        [ ص: 390 ] فثبت أن الوصية بذلك : لكل من توقف على نسبه أبا غير أب وأما غير أم ، حتى يلتقي هو والموصي لقرابته إلى جد واحد ، في الجاهلية ، أو في الإسلام ، بعد أن يكون أولئك للآباء ، يستحق بالقرابة هم المواريث في حال ، ويقوم بالإنسان منهم الشهادات ، على سياقه ما بين الموصي لقرابته وبينهم ، من الآباء ومن الأمهات ، فهذا القول ، هو أصح القولين ، عندنا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية