الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6285 6286 ص: وقد روي عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -عليه السلام- إنما كان نهى عن ذلك؛ لأجل دافة دفت عليهم.

                                                حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا عثمان بن عمر ، قال: أنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة، ، عن عائشة قالت: "دفت ناس من أهل البادية حضرة الأضحى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادخروا الثلاث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كانت بعد قلت: يا رسول الله قد كان الناس ينتفعون بضحاياهم يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية، قال: وما ذاك؟ قلت: نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، قال: إنما كنت نهيتكم للدافة التي دفت ، فكلوا وتصدقوا وتزودوا".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب أن مالكا حدثه. . . بإسناد مثله.

                                                فأخبرت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -عليه السلام- لم يكن حرمها ولكنه أراد التوسعة على الدافة التي دفت عليهم، فقد عاد معنى هذا الحديث إلى معنى حديث عابس ، عن عائشة -رضي الله عنها-.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا شاهدا لما ذكره من أن نهيه -عليه السلام- عن أكل لحوم الأضاحي فيما فوق الثلاث إنما كان لأجل عارض فلما ارتفع العارض ارتفع النهي، وذلك لأن عائشة -رضي الله عنها- قد أخبرت في هذا الحديث أنه -عليه السلام- لم يكن حرم لحوم الأضاحي بعد ثلاث وإنما نهى عنه لأجل التوسعة على الدافة التي دفت عليهم، فقد صار معنى حديثي عائشة سواء.

                                                [ ص: 39 ] وأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق عن عثمان بن عمر بن فارس عن مالك ... إلى آخره.

                                                والثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم: نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أنا روح قال: ثنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن واقد قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت: صدق؛ سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: دف أهل أبيات من البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله -عليه السلام-، وقال رسول الله -عليه السلام-: ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي. فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك، فقال رسول الله -عليه السلام-: وما ذاك؟ قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا".

                                                قوله: "دف ناس" معناه: جاءوا إلينا وأتونا وأصله من دفيف الطائر إذا حرك جناحيه ورجلاه في الأرض يقال فيه: دف يدف دفيفا.

                                                قال الخليل: والدافة قوم يدفون أي يسيرون سيرا لينا، وتداف القوم إذا ركب بعضهم بعضا في قتال أو نحوه.

                                                وفي "النهاية": الدافة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد يقال: هم يدفون دفيفا، والدافة: قوم من الأعراب يردون المصر، يريد أنهم قوم قدموا المدينة عند الأضحى، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي، ليفرقوها ويتصدقوا بها، فينتفع بها أولئك القادمون.

                                                [ ص: 40 ] قوله: "حضرة الأضحى" معناه: وقت الأضحى، وفي حين الأضحى.

                                                قوله: "يجملون منها الودك" أي يذيبون منها الشحم يقال: جملت الشحم -بالجيم- وأجملته إذا أذبته واستخرجت دهنه، وجملت أفصح من أجملت والودك -بفتح الواو والدال- الشحم.

                                                قال الجوهري: "الودك" دسم اللحم.

                                                و"الأسقية" جمع -سقاء بكسر السين - وهو الدلو.




                                                الخدمات العلمية