الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6413 [ ص: 156 ] ص: فإن قال قائل: فقد رويتم عن ابن عباس إباحتها وما احتج به في ذلك من قول الله -عز وجل-: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية.

                                                قيل له: ما قاله رسول الله -عليه السلام- من ذلك فهو أولى مما قاله ابن عباس، وما قاله رسول الله -عليه السلام- فهو مستثنى من الآية، على هذا ينبغي أن يحمل ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا المجيء المتواتر في الشيء المقصود إليه بعينه مما قد أنزل الله في كتابه آية مطلقة على ذلك الجنس، فيجعل ما جاء عن رسول الله -عليه السلام- من ذلك مستثنى من تلك الآية غير مخالف لها حتى لا [يضاد] القرآن السنة، ولا السنة القرآن.

                                                فهذا حكم لحوم الحمر الأهلية ، من طريق تصحيح الآثار، ولو كان [إلى] النظر لكان [لحوم] الحمر الأهلية حلالا، وكان ذلك كحكم الحمر الوحشية؛ لأن كل صنف قد حرم إذا كان أهليا، مما قد أجمع على تحريمه، فقد حرم إذا كان وحشيا، ألا ترى أن لحم الخنزير الوحشي كلحم الخنزير الأهلي، فكان النظر على ذلك أيضا إذا كان الحمار الوحشي لحمه حلال أن يكون كذلك الحمار الأهلي، ولكن ما جاء عن رسول الله -عليه السلام - أولى ما اتبع، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال من جهة أهل المقالة الأولى القائلين بإباحة لحم الحمر الأهلية، تقريره أن يقال: إنكم قد رويتم عن ابن عباس إباحة لحم الحمر الأهلية وما احتج به فيما ذهب إليه من ذلك من قوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية، وقد مضى هذا في حديث الحكم بن عمرو الغفاري، ولا شك أن الآية أقوى في الاستدلال وأقطع في الاحتجاج.

                                                [ ص: 157 ] وتقرير الجواب أن يقال: ما قاله الرسول -عليه السلام- من الأحاديث المحرمة للحمر الأهلية أولى من قول ابن عباس، بإباحتها مستدلا بالآية المذكورة، لأن الاستدلال بالآية على إباحة لحوم الحمر الأهلية لا يصح؛ بيان ذلك: أن طاوس بن كيسان، ذكر أن الجاهلية كانوا يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما مما تستحلون إلا أن يكون ميتة الآية وسياقه المحاج به يدل على ما قاله طاوس؛ لأن الله تعالى قد ذكر ما كانوا يحرمون من الأنعام، وذمهم على تحريم ما أحله وعنفهم، وأبان به عن جهلهم؛ لأنهم حرموه بغير حجة ثم عطف عليه قوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما يعني مما تحرمونه إلا ما ذكر وإذا كان تقدير الآية كذلك لم يجر الاستدلال بها على إباحة ما خرج عن الآية.

                                                فإن قيل: قد ذكر في أول المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة وما ذكر معها وهي خارجة عن هذه الآية.

                                                قلت: المنخنقة وما ذكر معها داخلة في الميتة، أو نقول: إن سورة الأنعام مكية فيجوز أن لا يكون حرم في ذلك الوقت إلا ما قد ذكر في هذه الآية وسورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن.

                                                فإن قيل: الأحاديث التي وردت في تحريم لحوم الحمر الأهلية أخبار آحاد، والعمل بها يوجب نسخ الآية المحكمة وهو لا يجوز.

                                                قلت: قد خصت من هذه الآية أشياء كثيرة بالتحريم غير مذكورة فيها كالنجاسات والحمر ولحم القردة فحينئذ يجوز تخصيصها بأخبار الآحاد ويجوز استعمال القياس أيضا في مثل هذا.

                                                قوله: "ولو كان النظر. . . ." إلى آخره. إشارة إلى أن النظر والقياس لو كان له دخل في هذا الباب لكان أكل لحم الحمر الأهلية حلالا كالحمر الوحشية، ولكن اتباع [ ص: 158 ] الأخبار أولى وأحق وليس للنظر حكم عند قيام الخبر، ثم الحمار الوحشي لا خلاف فيه لأحد أنه مباح واختلف في الحمار الوحشي إذا دجن فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح والشافعي: إذا دجن الحمار الوحشي وألف أنه جائز أكله.

                                                وقال ابن القاسم عن مالك: إذا دجن الحمار الوحشي وصار يحمل عليه كما يحمل عليه على الأهلي فإنه لا يؤكل.




                                                الخدمات العلمية