الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6819 ص: حدثنا إسحاق بن الحسن الطحان قال: ثنا سعيد ابن أبي مريم، قال: أنا سفيان بن عيينة ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس في حديث طويل فيه ذكر رؤيا عبرها أبو بكر - رضي الله عنه - عند رسول الله -عليه السلام-، فقال: "أصبت يا رسول الله؟ قال: أصبت بعضا وأخطأت بعضا، قال: أقسمت عليك يا رسول الله، قال: لا تقسم".

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا إسحاق الطحان مولى بني هاشم .

                                                وأخرجه البخاري بتمامه: ثنا يحيى [بن] بكير، نا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله -عليه السلام- فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتلقفون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا رسول الله بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي -عليه السلام-: اعبر، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن، والمستقل، [ ص: 390 ] وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل بعدك فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت، أصبت أم أخطأت، فقال النبي -عليه السلام-: أصبت بعضا وأخطأت بعضا، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت، قال النبي -عليه السلام-: لا تقسم".

                                                أخرجه بقية الجماعة غير الترمذي .

                                                لكن أبا داود أخرجه مختصرا وقال: ثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا سفيان [عن الزهري] عن عبيد الله عن ابن عباس: "أن أبا بكر - رضي الله عنه - أقسم على النبي -عليه السلام-، فقال له النبي -عليه السلام-: لا تقسم".

                                                قوله: "ظلة" بضم الظاء: السحابة، ومعنى تنطف: تقطر، يقال: نطف الماء ينطف إذا قطر قليلا قليلا.

                                                قوله: "يتكففون" أي يمدون أكفهم إليه لكيلا يقع.

                                                قوله: "فالمستكثر والمستقل": أي فمنهم مستكثر أي الآخذ بالكثير، ومنهم مستقل، أي الآخذ بالقليل.

                                                قوله: "وإذا سبب" أي حبل.

                                                قوله: "اعبر" أمر من عبرت الرؤيا أعبرها عبرا، من باب نصر ينصر، أي أولتها وفسرتها، وكذلك عبرت، بالتشديد.

                                                وقال الخطابي: به يستدل من ذهب إلى أن القسم لا يكون يمينا مجردة حتى [ ص: 391 ] يقول: أقسمت بالله، وذلك أن النبي -عليه السلام- قد أمر بإبرار القسم، فلو كان قوله: "أقسمت" يمينا لأشبه أن يبره، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي .

                                                وقد يستدل به من يرى القسم يمينا على وجه آخر، ويقول: لولا أنه يمين ما كان -عليه السلام- يقول له: "لا تقسم"، وإليه ذهب أبو حنيفة .




                                                الخدمات العلمية