الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الإمامة [ ص: 548 ] هي صغرى وكبرى ; فالكبرى استحقاق تصرف عام على الأنام ، وتحقيقه في علم الكلام ، ونصبه أهم الواجبات ، فلذا قدموه على دفن صاحب المعجزات : ويشترط كونه مسلما حرا ذكرا عاقلا بالغا قادرا ، قرشيا لا هاشميا علويا ، معصوما . ويكره تقليد الفاسق [ ص: 549 ] ويعزل به إلا لفتنة . ويجب أن يدعى له بالصلاح وتصح سلطنة متغلب للضرورة ، وكذا صبي .

وينبغي أن يفوض أمور التقليد على وال تابع له والسلطان في الرسم هو الولد ، وفي الحقيقة هو الوالي لعدم صحة إذنه بقضاء وجمعة كما في الأشباه عن البزازية . وفيها لو بلغ السلطان أو الوالي يحتاج إلى تقليد جديد :

التالي السابق


باب الإمامة هي مصدر قولك فلان أم الناس ، صار لهم إماما يتبعون في صلاته فقط أو فيها وفي أوامره ونواهيه ، والأول ذو الإمامة الصغرى ، والثاني ذو الإمامة الكبرى

، والباب هنا معقود للأولى .

ولما كانت الثانية من المباحث الفقهية حقيقة لأن القيام بها من فروض الكفاية وكانت الأولى تابعة لها ومبنية عليها تعرض لشيء من مباحثها هنا ، وبسطت في علم الكلام وإن لم تكن منه بل من متمماته لظهور اعتقادات فاسدة فيها من أهل البدع كالطعن في الخلفاء الراشدين ونحو ذلك . [ ص: 548 ] مطلب شروط الإمامة الكبرى

( قوله فالكبرى استحقاق تصرف عام على الأنام ) أي على الخلق ، وهو متعلق بتصرف لا باستحقاق لأن المستحق عليهم طاعة الإمام لا تصرفه ، ولا بعام إذ المتعارف أن يقال عام بكذا لا عليه . وعرفها في المقاصد بأنها رياسة عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم لتخرج النبوة ، لكن النبوة في الحقيقة غير داخلة لأنها بعثة بشرع كما يعلم من تعريف النبي ، واستحقاق النبي التصرف العام إمامة مترتبة على النبوة ، فهي داخلة في التعريف دون ما ترتبت عليه أعني النبوة ، وخرج بقيد العموم مثل القضاء والإمارة .

ولما كانت الرياسة عند التحقيق ليست إلا استحقاق التصرف ، إذ معنى نصب أهل الحل والعقد للإمام ليس إلا إثبات هذا الاستحقاق عبر بالاستحقاق ، كذا أفاده العلامة الكمال ابن أبي شريف في شرحه على كتاب المسايرة لشيخه المحقق الكمال ابن الهمام ( قوله ونصبه ) أي الإمام المفهوم من المقام ( قوله أهم الواجبات ) أي من أهمها لتوقف كثير من الواجبات الشرعية عليه ، ولذا قال في العقائد النسفية : والمسلمون لا بد لهم من إمام ، يقوم بتنفيذ أحكامهم ; وإقامة حدودهم ، وسد ثغورهم ، وتجهيز جيوشهم ; وأخذ صدقاتهم ، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق ، وإقامة الجمع والأعياد ، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق ; وتزويج الصغار والصغائر الذين لا أولياء لهم ، وقسمة الغنائم ا هـ ( قوله فلذا قدموه إلخ ) فإنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء أو ليلة الأربعاء أو يوم الأربعاء ح عن المواهب ، وهذه السنة باقية إلى الآن لم يدفن خليفة حتى يولى غيره ط ( قوله ويشترط كونه مسلما إلخ ) أي لأن الكافر لا يلي على المسلم ; ولأن العبد لا ولاية له على نفسه فكيف تكون له الولاية على غيره ؟ والولاية المتعدية فرع للولاية القائمة ومثله الصبي والمجنون ولأن النساء أمرن بالقرار في البيوت فكان مبنى حالهن على الستر .

وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال " { كيف يفلح قوم تملكهم امرأة } " وقوله قادرا : أي على تنفيذ الأحكام وإنصاف المظلوم من الظالم ، وسد الثغور ; وحماية البيضة وحفظ حدود الإسلام ; وجر العساكر ; وقوله قرشيا لقوله صلى الله عليه وسلم " { الأئمة من قريش } " وقد سلمت الأنصار الخلافة لقريش بهذا الحديث ، وبه يبطل قول الضرارية إن الإمامة تصلح في غير قريش والكعبية إن القرشي أولى بها ا هـ الكل من ح عن شرح عمدة النسفي ( قوله لا هاشميا إلخ ) أي لا يشترط كونه هاشميا : أي من أولاد هاشم بن عبد مناف كما قالت الشيعة نفيا لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم ; ولا علويا : أي من أولاد علي بن أبي طالب كما قال به بعض الشيعة نفيا لخلافة بني العباس ; ولا معصوما كما قالت الإسماعيلية والاثنا عشرية : أي الإمامية ، كذا في شرح المقاصد ، وكان الأولى أن يكرر لا ليظهر أن كل واحد من هذه الثلاثة قول على حدة ; فإن عبارته توهم أنها قول واحد ح ( قوله ويكره تقليد الفاسق ) أشار إلى أنه لا تشترط عدالته ، وعدها في المسايرة من الشروط ، وعبر عنها تبعا للإمام الغزالي بالورع . وزاد في الشروط العلم والكفاية قال : والظاهر أنها أي الكفاءة أعم من الشجاعة تنتظم كونه ذا رأي وشجاعة كي لا يجبن عن الاقتصاص وإقامة الحدود والحروب الواجبة وتجهيز الجيوش ; وهذا الشرط يعني الشجاعة مما شرطه الجمهور .

[ ص: 549 ] ثم قال : وزاد كثير الاجتهاد في الأصول والفروع ; وقيل لا يشترط ولا الشجاعة لندرة اجتماع هذه الأمور في واحد ويمكن تفويض مقتضيات الشجاعة والحكم إلى غيره أو بالاستفتاء للعلماء . وعند الحنفية ليست العدالة شرطا للصحة فيصح تقليد الفاسق الإمامة مع الكراهة ; وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل ; ولكن يستحب العزل إن لم يستلزم فتنة ; ويجب أن يدعى له ; ولا يجب الخروج عليه ; كذا عن أبي حنيفة ، وكلمتهم قاطبة في توجيهه هو أن الصحابة صلوا خلف بعض بني أمية وقبلوا الولاية عنهم . وفي هذا نظر ; إذ لا يخفى أن أولئك كانوا ملوكا تغلبوا والمتغلب تصح منه هذه الأمور للضرورة ، وليس من شرط صحة الصلاة خلف إمام عدالته ; وصار الحال عند التغلب كما لم يوجد أو وجد ولم نقدر على توليته لغلبة الجورة ا هـ كلام المسايرة للمحقق ابن الهمام ( قوله ويعزل به ) أي بالفسق لو طرأ عليه ; والمراد أنه يستحق العزل كما عملت آنفا . ولذا لم يقل ينعزل ( قوله وتصح سلطنة متغلب ) أي من تولى بالقهر والغلبة بلا مبايعة أهل الحل والعقد وإن استوفى الشروط المارة . وأفاد أن الأصل فيها أن تكون بالتقليد . قال في المسايرة : ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياها كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وإما ببيعة جماعة من العلماء أو جماعة من أهل الرأي والتدبير . وعند الأشعري : يكفي الواحد من العلماء المشهورين من أولي الرأي ، بشرط كونه بمشهد شهود لدفع الإنكار إن وقع . وشرط المعتزلة خمسة .

وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص . ا هـ . ( قوله للضرورة ) هي دفع الفتنة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " { اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع } " ح ( قوله وكذا صبي ) أي تصح سلطنته للضرورة ، لكن في الظاهر لا حقيقة . قال في الأشباه : تصح سلطنته ظاهرا قال في البزازية : مات السلطان واتفقت الرعية على سلطنة ابن صغير له ينبغي أن تفوض أمور التقليد على وال ، ويعد هذا الوالي نفسه تبعا لابن السلطان لشرفه والسلطان في الرسم هو الابن ، وفي الحقيقة هو الوالي لعدم صحة الإذن بالقضاء والجمعة ممن لا ولاية له ا هـ أي لأن هذا الوالي لو لم يكن هو السلطان في الحقيقة لم يصح إذنه بالقضاء والجمعة ، لكن ينبغي أن يقال إنه سلطان إلى غاية وهي بلوغ الابن ، لئلا يحتاج إلى عزله عند تولية ابن السلطان إذا بلغ تأمل ( قوله أن يفوض ) بالبناء للمجهول والفاعل : هم أهل الحل والعقد على ما مر بيانه ، لا الصبي لما علمت من أنه لا ولاية له وضمن يفوض معنى يلقى فعدي بعلى وإلا فهو يتعدى بإلى ( قوله في الرسم ) أي في الظاهر والصورة ( قوله كما في الأشباه ) أي في أحكام الصبيان ، وعلمت عبارته ( قوله وفيها ) أي في الأشباه عن البزازية أيضا ، وذكر ذلك بعد ما مر بنحو ورقة فافهم .

وذكر الحموي أن تجديد تقليده بعد بلوغه لا يكون إلا إذا عزل ذلك الوالي نفسه لأن السلطان لا ينعزل إلا بعزل نفسه وهذا غير واقع . ا هـ .

قلت قد يقال : إن سلطنة ذلك الولي ليست مطلقة بل هي مقيدة بمدة صغر ابن السلطان ، فإذا بلغ انتهت سلطنة ذلك الولي كما قلناه آنفا




الخدمات العلمية