الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فلا استخلاف للمأموم ) إذا سبق إمامه الحدث ، والاستخلاف أيضا للإمام ( ولا يبني ) المأموم ( على صلاة إمامه ) حينئذ ، بل يستأنفها لبطلانها ( وعنه لا تبطل صلاة مأموم ) إذا كان بطلان صلاة الإمام لعذر ، بأن يسبقه الحدث ( ويتمونها ) إذا قلنا بعدم بطلانها ( جماعة بغيره ) يستخلفونه ، أي : الإمام قال في الفروع : وكذا بجماعتين ( أو ) يتمونها ( فرادى ، اختاره جماعة ) أي اختار القول بعدم بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر : جماعة من الأصحاب وفاقا للشافعي ( فعليها ) أي : على رواية عدم البطلان .

                                                                                                                      ( لو نوى ) أي : أحد المأمومين ( الإمامة لاستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث صح ) ذلك منه للعذر لما روى البخاري أن عمر لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فأتم بهم الصلاة ولم ينكر فكان كالإجماع ، ولفعل علي رواه سعيد .

                                                                                                                      ( وبطلت صلاة الإمام ) لزوال شرطها ، وهو الطهارة ( كتعمده لذلك ) الحدث ( وله ) أي : للإمام إذا سبقه الحدث ، بناء على الرواية الثانية : ( أن يستخلف من يتم الصلاة بمأموم ولو ) كان الذي يستخلفه ( مسبوقا ) لم يدخل معه من أول الصلاة ( أو ) كان الذي استخلفه ( من لم يدخل معه الصلاة ) بأن استخلف [ ص: 322 ] من كان يصلي منفردا ( ويستخلف المسبوق ) الذي استخلفه الإمام ( من يسلم بهم ، ثم يقوم فيأتي بما ) بقي ( عليه ) من صلاته وتكون هذه الصلاة بثلاثة أئمة ( فإن لم يستخلف المسبوق ) .

                                                                                                                      من يسلم بهم ( وسلموا منفردين ، أو انتظروا ) المسبوق ( حتى ) يأتي بما عليه من صلاته ، ثم ( يسلم بهم جاز ) لهم ذلك نص عليه وقال القاضي في موضع من المجرد : يستحب انتظاره حتى يسلم بهم ( ويبني الخليفة الذي كان معه ) أي : الإمام ( في الصلاة على فعل ) أي : ترتيب الإمام .

                                                                                                                      ( الأول ) المستخلف له ، من حيث بلغ الأول لأنه نائبه ( حتى في القراءة يأخذ من حيث بلغ ) لأن قراءة الإمام قراءة له ( والخليفة الذي لم يكن دخل معه أي : الإمام في الصلاة يبتدئ الفاتحة ) ولا يبني على قراءة الإمام لأنه لم يأت بفرض القراءة ولم يوجد ما يسقطه عنه لأنه لم يصر مأموما بحال ، ( لكن يسر ما كان قرأه الإمام منها ) أي الفاتحة ( ثم يجهر بما بقي ) من القراءة ليحصل البناء على فعل مستخلفه ، ولو صورة ( فإن لم يعلم الخليفة ) المسبوق أو الذي لم يدخل معه في الصلاة ( كم صلى ) الإمام .

                                                                                                                      ( الأول بنى ) الخليفة ( على اليقين ) كالمصلي يشك في عدد الركعات ( فإن سبح به المأموم رجع إليه ) ليبني على ترتيب الأول ( فإن لم يستخلف الإمام ) الذي سبقه الحدث ( وصلوا ) أي : المأمومون ( وحدانا ) بكسر الواو أي : فرادى ( صح ) ما صلوه ( وكذا إن استخلفوا ) لأنفسهم من يتم بهم الصلاة فيصح كما لو استخلفه الإمام .

                                                                                                                      ( ومن استخلف فيما لا يعتد به ) إن كان مسبوقا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع ، ثم استخلفه الإمام أثناء تلك الركعة فإنه لا يعتد بها لأنه لم يدرك ركوعها مع الإمام ( اعتد به المأموم ) لأنه أدرك ركوعها مع الإمام قبل أن يحدث ولغيت الركعة بالنسبة للمسبوق المستخلف قاله جماعة كثيرة ، وقدمه في الرعاية .

                                                                                                                      ( وقال ) أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي البغدادي ( إن استخلفه ، يعني من لم يكن دخل معه في الركوع ، أو ) استخلفه ( فيما بعده ) أي : بعد الركوع ( قرأ ) الخليفة ( لنفسه ) لأنه لم يقرأ ، ولم يوجد ما يسقطها عنه كما تقدم ( وانتظره المأموم ) حتى يقرأ ( ثم ركع ولحق المأموم ) ليحصل الاعتداد بالركعة لكل منهما ( وهو ) أي : ما قاله ابن حامد ( مراد غيره ) من الأصحاب ( ولا بد منه ) يعني إذا أراد الاعتداد بالركعة ومقتضى كلامه : أن لا خلاف في المسألة ، وأن كلام غيره محمول على كلامه وهما كما في الإنصاف والمبدع قولان متقابلان وليس اعتداده بتلك الركعة ضروريا إذا لا محذور في بنائه على ترتيب الإمام ، ثم يأتي بما سبق به كما لو لم يستخلفه .

                                                                                                                      ( وإن استخلف كل [ ص: 323 ] طائفة ) من المأمومين ( رجلا ) منهم فصلى بهم صح ( واستخلف بعضهم وصلى الباقون فرادى صح ) ذلك كما لو استخلف كلهم ، أو لم يستخلفوا كلهم .

                                                                                                                      وإن استخلف امرأة وفيهم رجل أو أميا ، وفيهم قارئ ، صحت صلاة المستخلف بالنساء والأميين فقط ذكره في المبدع ( هذا ) الذي ذكر من أحكام الاستخلاف ( كله على الرواية ) الثانية ، وإنما ذكره المصنف كغيره مع كونه مفرعا على ضعيف ، على خلاف عادته لأن الأصحاب فرعوا هذه المسائل على هذه الرواية ثم قالوا : وكذا الاستخلاف لمرض ونحوه ، مما يأتي فاحتاج إلى بيان هذه ، ليعلم منها أحكام الاستخلاف للمرض ونحوه على المذهب ( ومحله ) أي : محل ما تقدم من الاستخلاف لسبق الحدث : ( فيما إذا كان ابتداء الإمام صحيحا وإن كان ) ابتداء صلاته .

                                                                                                                      ( فاسدا كأن ذكر ) الإمام ( الحدث في أثناء الصلاة فلا ) استخلاف لأن صلاته لم تنعقد ابتداء ( وله ) أي : للإمام ( الاستخلاف لحدوث مرض أو حدوث خوف أو ) لأجل ( حصره عن القراءة الواجبة ونحوه ) كالتكبير ، أو التسميع ، أو التشهد أو السلام ، لوجود العذر الحاصل للإمام ، مع بقاء صلاته وصلاة المأموم بخلاف ما إذا سبق الإمام الحدث لبطلان صلاته ثم صلاة المأموم تبعا له على المذهب ، كما تقدم ( وإن سبق الإمام اثنين فأكثر ببعض الصلاة ) .

                                                                                                                      ثم سلم الإمام ( فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما ) صح ( أو ائتم مقيم بمثله ) فيما بقي من صلاتهما ( إذا سلم إمام مسافر صح ) ذلك ، لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر فجاز كالاستخلاف واستدل في الشرح بقضية أبي بكر حين تأخر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قاله في المبدع وفيه نظر انتهى .

                                                                                                                      قلت : ليس غرض الشارح أن قضية أبي بكر هي هذه المذكورة بل تشبهها من حيث الانتقال من جماعة إلى جماعة ، لأن الصحابة كانوا مؤتمين بأبي بكر فصاروا مؤتمين به صلى الله عليه وسلم فحصل بين ذلك وبين المسألة المذكورة الجامع ، وهو المشابهة في الانتقال من جماعة إلى أخرى ومحل صحة اقتداء المسبوق بمثله إذا سلم الإمام : ( في غير جمعة ) ( فلا ) يصح ذلك ( فيها ) أي : في الجمعة ( لأنها إذا أقيمت بمسجد مرة لم تقم فيه ) مرة ( ثانية ) قاله القاضي : وفيه نظر .

                                                                                                                      إذ ليس في ذلك إقامة ثانية وإنما هو تكميل لها بجماعة وغايته : أنها فعلت بجماعتين وهذا لا يضر ، كما لو صليت الركعة الأولى منها بستين ، ثم فارقه عشرون ، وصليت الثانية بأربعين وقيل : لعله لاشتراط العدد لها ، فيلزم لو ائتم تسعة وثلاثون بآخر تصح .

                                                                                                                      ( و ) إن أم من لم ينوه أولا ، ولو باستخلاف ( بلا عذر السبق ) والقصر المذكورين ( لا يصح ) لأن مقتضى [ ص: 324 ] الدليل منعه ، وإنما ثبت جوازه في محل العذر لقضية عمر فيبقى فيما عداه على الأصل ( وإن أحرم إمام لغيبة إمام الحي ) أي الإمام الراتب ، سواء كان الإمام الأعظم أو غيره .

                                                                                                                      ( أو ) ل ( إذنه ) أي : إذن إمام الحي له أن يؤم مكانه ( ثم حضر ) إمام الحي ( في أثنائها ) أي : الصلاة ( فأحرم بهم ) أي بالمأمومين الذين أحرموا وراء نائبه ( وبنى ) إمام الحي ( على ) ترتيب ( صلاة خليفته ، وصار الإمام ) الذي أحرم أولا ( مأموما جاز ) ذلك ( وصح ) لما روى سهل بن سعد { أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة ، فصلى أبو بكر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة ، فتخلص حتى وقف في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف } متفق عليه .

                                                                                                                      والأصل عدم الخصوصية ( والأولى ) للإمام ( تركه ) ذلك ويدع الخليفة يتم بهم الصلاة ، خروجا من الخلاف .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية