الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4573 4854 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، قال: حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه - رضي الله عنه -، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون [الطور: 35 - 37] كاد قلبي أن يطير. قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -: يقرأ في المغرب بالطور. لم أسمعه زاد الذي قالوا لي. [ انظر:765 - مسلم:463 - فتح: 8 \ 603]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هي مكية، قال الكلبي : إلا قوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك نزلت فيمن قتل ببدر من المشركين. وقال مقاتل : لما كذبت كفار قريش أقسم الله بالطور، وهو الجبل -بلغة النبط- الذي كلم الله موسى عليه بالأرض المقدسة. وقال الجوزي: بمدين طور سيناء. وفي "تفسير ابن عباس " أنه - عليه السلام - خوف أهل مكة العذاب فلم يؤمنوا ولم يصدقوا وقالوا: لن نؤمن بما جئت به. فأنزل الله يقسم ( بستة ) أشياء لنبيه - عليه السلام - أن العذاب نازل بهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 291 ] ( ص ) ( قال مجاهد : الطور الجبل ( بالسريانية ) وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه، ورواه مرة عنه، عن ابن عباس . وقوله: ( بالسريانية ) لعله وافق لغتهم، وحكي عنه وعن عكرمة وقتادة وغيرهما أنه جبل فقط، وكذا قال ابن فارس ، وكذا ما سيأتي عن أهل اللغة أنه جبل.

                                                                                                                                                                                                                              قال مقاتل بن حيان : هما طوران: طور زيتا، وطور تينا ; لأنهما ينبتان الزيتون والتين. وقال أبو عبد الله الحموي في "مشتركه": طور زيتا مقصور أيضا جبل بالبيت المقدس. وفي الأثر: مات بطور زيتا تسعون ألف نبي ; قتلهم الجوع، وهو شرقي وادي سلوان، والطور أيضا جبل مطل على مدينة طبرية بالأردن وبأرض مصر أيضا. واختلف في طور سيناء، فقيل: هو جبل بقرب أيلة. وقيل: هو بالشام. وسيناء حجازية، وقيل: شجر فيه، وطور عبدين اسم لبليدة نصيبين في بطن الجبل المشرف عليها المتصل بجبل الجودي، وطور هارون جبل مشرف قبلي بيت المقدس، فيه -فيما قيل- قبر هارون - عليه السلام -. وقال صاحب "المحكم": الجبل: الطور، وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام، وهو بالسريانية طورى، والنسبة إليه طواري وطوراني، وكذا قال القزاز وأبو عبيدة في "مجازه": كل جبل طور.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 292 ] وقال نوف: أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل متمكن فارتفعت وانتفخت وشمخت إلا الطور فإنه تواضع، وقال: أرضى بما قسم لي الله، فكان الأمن عليه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال قتادة : مسطور : مكتوب ) هو كما قال.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( في رق منشور : صحيفة ) قلت: حكاه الجوزي عن مجاهد ، وذكره ابن عباس في "تفسيره" بزيادة: وذلك الرق ما بين المشرق والمغرب. وقال مقاتل : في رق يعني: في أديم الصحف. قال الجوزي: يريد القرآن. وقيل: التوراة. وقيل: اللوح المحفوظ. وقيل: ما يكتبه الحفظة.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( والسقف المرفوع : السماء ) قلت: سماها سقفا ; لأنها للأرض كالسقف للبيت، دليله ونظيره وجعلنا السماء سقفا محفوظا .

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( المسجور : الموقد ) هو قول مجاهد فيما حكاه الجوزي، يريد: المملوء نارا. عن علي: هو بحر تحت العرش، أي: ( مملوء ) ماء يسمى نهر الحيوان، يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين. ويروى أن البحر -وفي رواية: البحار- تسجر يوم القيامة نارا.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال الحسن: تسجر حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة وهذا رواه الطبري من حديث قتادة عنه، وعنه: المسجور: المملوء، مثل قوله: ( ثم في النار يسجرون وعن ابن عباس : المسجور: [ ص: 293 ] المحبوس. قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سقف محفوظ وموج مكفوف عن العباد".

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال مجاهد : ألتناهم : نقصناهم ) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح ، عنه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( أحلامهم : عقولهم ) أي: لأنهم كانوا يعبدون في الجاهلية أهل الأحلام ويوصفون بالعقل، كنى عن العقل بالحلم ; لأن الحلم لا يكون إلا بالعقل.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال ابن عباس : البر : اللطيف. كسفا : قطعا. المنون: الموت ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من حديث علي بن أبي طلحة عنه.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: ( ص ) ( وقال غيره: يتنازعون : يتعاطون ) ما ذكره في البر هو أحد الأقوال. وقيل: المحسن. وقيل: الصادق فيما وعد أولياءه. وقيل: خالق البشر. وقيل: العطوف على خلقه. وقيل غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( كسفا : قطعا ) ويقال: قطعة. هو جمع كسفة كقربة وقرب، ومن قرأ بالسكون على التوحيد، فجمعه أكساف وكسوف، وهو واحد، ويجوز أن يكون جمع كسف كسدرة وسدر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] وقوله: ( المنون : الموت ) قال مجاهد : إنه حوادث الدهر. وهو المعروف عند أهل اللغة. وقال أبو عبيدة : إنه الدهر. قال ابن فارس : وإنما قيل للمنية: المنون، لأنه ينقص العدد ويقطع المدد - قال الداودي : هو جمع منية. وليس كما ذكر، فقد قال الأصمعي : إنه واحد لا جمع له. وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له. وقال الفراء : يقع للجميع وللواحد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( يتنازعون : يتعاطون ) . أي: ويتبادلون ويتداولون.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري حديث أم سلمة في طوافها راكبة. وقد سلف في الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: طواف النساء: ليلا وفي حال صلاة الناس، والركوب فيه للضرورة، وقد يستدل على طهارة روث ما يؤكل لحمه، وقد سلف ما فيه.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق أيضا حديث جبير بن مطعم في قراءته - عليه السلام - في المغرب بالطور، وقد سلف أيضا هناك مختصرا. وقوله هنا: ( فلما بلغ هذه الآية: أم خلقوا من غير شيء إلى آخرها، كاد قلبي أن يطير ): إنما كان ذلك منه لحسن تلقيه ( هذه معنى ) الآية ومعرفته بما تضمنته من تبليغ الحجة، وهي آية صعبة جدا، وفيها قولان:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: ليس هو بأشد خلقا من خلق السماوات والأرض، يخلقهما من غير شيء وهم خلقوا من آدم، وآدم من تراب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 295 ] ثانيهما: خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون. واختار الخطابي أن المعنى: أم خلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق؟ هذا محال ; لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فإن أنكروه فهم الخالقون لأنفسهم، ثم قال: أم خلقوا السماوات والأرض . أي: فليدعوا ذلك، ولا يمكنهم بوجه. ثم ذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهي عدم اليقين، ولهذا انزعج جبير بن مطعم .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية