الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4552 4832 - حدثنا بشر بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معاوية بن أبي المزرد بهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " واقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم [ محمد: 22]". [ انظر:4830 - مسلم:2554 - فتح: 8 \ 580]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم. . " الحديث، وفي آخره: قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم الآية.

                                                                                                                                                                                                                              ثم رواه بعد بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرءوا إن شئتم فهل عسيتم " من طريق معاوية بن أبي المزرد، عن عمه أبي الحباب سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة به، وهو صدوق أخرج له مسلم أيضا، وأخرجه في بدء الخلق والأدب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 241 ] ومسلم والنسائي أيضا ؟

                                                                                                                                                                                                                              وانفرد نافع بالكسر من ( عسيتم )، والباقون على الفتح، وقد حكى عبد الله بن مغفل أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأها بكسر السين.

                                                                                                                                                                                                                              والرحم مشتقة من الرحمة، وهي عرض جعلت في جسم، ولذلك قامت وتكلمت، كما أسلفناه في الموت، ويجوز كما قال القاضي أن يكون المراد: قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش تكلم عن لسانها بهذا بأمر الله.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويجوز أن يكون قيامها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضلية واصلها وعظيم إثم قاطعها بعقوقهم، وبهذا سمي العقوق قطعا، والعق: الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في الرحم التي يجب صلتها، كما قال القاضي، فقال بعضهم: هي كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال ; لجواز الجمع في النكاح دون المرأة وأختها وعمتها، وقيل: بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرما كان أو غيره، وهذا هو الصواب ; لقوله - عليه السلام - في أهل مصر: "فإن لهم ذمة ورحما"، وقوله: "إن أبر البر أن [ ص: 242 ] يصل الرجل أهل ود أبيه" مع أنه لا محرمية، وفيه دلالة على أن قطعها كبيرة.

                                                                                                                                                                                                                              والعائذ: المستعيذ وهو المعتصم بالشيء، الملتجئ إليه، المستجير به.

                                                                                                                                                                                                                              وحقيقة الصلة العطف والرحمة، وصلة الله عباده لطفه لهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أو صلتهم بأهل ملكوته وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.

                                                                                                                                                                                                                              ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطعها معصية كبيرة، والأحاديث في الباب تشهد له، ولكن الصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة دون غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما قدر عليه، وينبغي له أن يسمى واصلا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث آخر: "الرحم شجنة من الرحمن" وهي كما قال ابن سيده : الشعبة من الشيء وهي الرحم المشتبكة. والضم لغة فيه، وقيل: إنها الصهر.

                                                                                                                                                                                                                              زاد صاحب "الباهر": فيها فتح الشين وكسر الجيم وأنها الرحم والقرابة المشتبكة المشبهة بغصن الشجر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 243 ] وقوله: ( "فأخذت بحقوي الرحمن" ) في نسخة: بحقو، والحقو: معقد الإزار وجمعه أحق وأحقاء، وسمي الإزار ( حقوا ) للمجاورة، ولما جعل الله الرحم شجنة، أي: قرابة، شبه بذلك مجازا واتساعا، استعار لها الاستمساك به كما يستمسك القريب بقريبه، والنسيب نسيبه، والحقو فيه مجاز وتمثيل، ومنه قولهم: عذت بحقو فلان: إذا اعتصمت به أو استجرت.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              صح أن صلة الرحم تنسأ في الأجل، والأصح أن الزيادة معنوية بالبركة في عمره، أو بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ويجوز ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الرب ما سيقع له من ذلك، وهو معنى قوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت [ الرعد: 39] وأبعد من قال: المراد: بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية