الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 334 ] ( 55 ) سورة الرحمن

                                                                                                                                                                                                                              وأقيموا الوزن يريد لسان الميزان، والعصف: بقل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك فذلك العصف. والريحان رزقه. والحب الذي يؤكل منه، والريحان في كلام العرب: الرزق، وقال بعضهم: والعصف يريد المأكول من الحب، والريحان النضيج الذي لم يؤكل. وقال غيره: العصف ورق الحنطة. وقال الضحاك: العصف التبن. وقال أبو مالك: العصف أول ما ينبت تسميه النبط هبورا. وقال مجاهد: العصف ورق الحنطة. والريحان الرزق، والمارج: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت. وقال بعضهم عن مجاهد: رب المشرقين للشمس في الشتاء مشرق، ومشرق في الصيف. ورب المغربين مغربها في الشتاء والصيف لا يبغيان لا يختلطان المنشآت ما رفع قلعه من السفن، فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة. وقال مجاهد: ونحاس الصفر يصب على رءوسهم، يعذبون به. خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله -عز وجل- فيتركها، الشواظ لهب من نار. مدهامتان سوداوان من الري. صلصال طين خلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار. ويقال: منتن، يريدون به: صل، يقال: صلصال، كما يقال: صر الباب عند الإغلاق، وصرصر مثل كبكبته يعني كببته. فاكهة ونخل ورمان [ ص: 335 ] وقال بعضهم: ليس الرمان والنخل بالفاكهة، وأما العرب فإنها تعدها فاكهة كقوله -عز وجل-: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة: 238] فأمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كما أعيد النخل والرمان، ومثلها ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ثم قال وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب [ الحج: 18] وقد ذكرهم في أول قوله: من في السماوات ومن في الأرض وقال غيره: أفنان : أغصان. وجنى الجنتين دان : ما يجتنى قريب. وقال الحسن: فبأي آلاء : نعمه. وقال قتادة: ربكما يعني الجن والإنس. وقال أبو الدرداء: كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا، ويكشف كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين. وقال ابن عباس: برزخ حاجز، الأنام: الخلق نضاختان : فياضتان ذو الجلال : ذو العظمة، وقال غيره: مارج خالص من النار، يقال: مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض. مرج أمر الناس مريج [ ق: 5]: ملتبس مرج اختلط البحران، من مرجت دابتك تركتها. سنفرغ لكم : سنحاسبكم، لا يشغله شيء عن شيء وهو معروف في كلام العرب يقال: لأتفرغن لك وما به شغل، يقول: لآخذنك على غرتك.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هي مكية.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 336 ] وعن همام، عن قتادة : مدنية. وروى سعيد عنه: مكية. وكيف تكون مدنية، وإنما قرأها الشارع بسوق عكاظ فسمعته الجن، وأول شيء سمعت قريش من القرآن جهرا سورة الرحمن، قرأها ابن مسعود عند الحجر فضربوه حتى أثروا في وجهه، كما ذكره ابن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه.

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس : يسأله من في السماوات والأرض مدنية. وروى عطية عن ابن عباس : مدنية، وهو قول ابن مسعود . وقال مقاتل : نزلت لما سمع كفار مكة قوله: اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا فأخبر الله عن نفسه وعن صنعه ليعرف ويوحد.

                                                                                                                                                                                                                              قال السخاوي : ونزلت قبل: هل أتى وبعد الرعد.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال مجاهد : بحسبان كحسبان الرحى ) هذا أسنده عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عنه. ولفظ ابن أبي نجيح عنه قال: يدوران في مثل قطب الرحى.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال أبو مالك : بحساب ومنازل. وفي رواية: وأجل ) قلت: والحسبان أيضا. سهام قصار الواحد حسبانة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ] ( ص ) ( وقال غيره: وأقيموا الوزن : لسان الميزان ) هو قول أبي الدرداء .

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( والعصف بقل الزرع، إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك، فذلك العصف. والريحان : ورقه. والحب الذي يؤكل منه، والريحان في كلام العرب: الرزق، وقال بعضهم: يريد المأكول من الحب، والريحان: النضيج الذي لم يؤكل. وقال غيره: العصف ورق الحنطة. وقال الضحاك : العصف: التبن. وقال أبو مالك : العصف أول ما ينبت تسميه النبط هبورا. وقال مجاهد : العصف: ورق الحنطة، والريحان: الرزق ) هذا -أعني: قول مجاهد - رواه عبد بن حميد ، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه، قال: وقراءة عاصم : ( الريحان ) بالرفع. وروى مقالة أبي مالك عن يحيى بن عبد الحميد، عن ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد عنه.

                                                                                                                                                                                                                              والنبط بفتح النون والباء. وهبور بفتح الهاء.

                                                                                                                                                                                                                              ومقالة الضحاك رواها جويبر عنه، وحكيت عن ابن عباس أيضا. وعنه أيضا أنه ورق الزرع الأخضر إذا قطع رءوسه ويبس، نظيره: كعصف مأكول وعن مجاهد في العصف أنه ورق الزرع [ ص: 338 ] وأطلق. ويسمى ورق الزرع أيضا الجلة بكسر الجيم، كما نقله ابن السكيت . وقال ابن كيسان : العصف: ورق كل شيء خرج منه الحب، يبدو أولا ورقا، ثم يكون سوقا، ثم أكماما ثم حبا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( الريحان في كلام العرب: الرزق ) هو كما قال، وجزم به في صفة الجنة، وهو قول مجاهد . قال ابن عباس : كل ريحان في القرآن فهو رزق، قال مقاتل : بلغة حمير. وعن ابن عباس أيضا أنه الريح.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الضحاك : الطعام. وقال الحسن: هو المعروف.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله أولا: ( والريحان رزقه ) هو قول مجاهد أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( والمارج: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم بالسند السالف عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي بعض النسخ قال مجاهد : كالفخار كما يصنع الفخار، والمارج: طرف النار. وعن مجاهد أنه اللهب الأحمر والأسود، من [ ص: 339 ] قولهم: مرج أمر القوم: إذا اختلط. وذكر بعد ذلك عن بعضهم: ( مارج خالص من النار، يقال: مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض، مرج بأمر الناس مريج [ ق: 5]: ملتبس. مرج : خلط البحرين، من مرجت دابتك تركتها ).

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال بعضهم عن مجاهد رب المشرقين للشمس في الشتاء مشرق، ومشرق في الصيف. ورب المغربين مغربها في الشتاء والصيف ) هذا أخرجه ابن المنذر عن علي بن المبارك، ثنا زيد، ثنا ابن ثور، عن ابن جريج ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( لا يبغيان : لا يختلطان ) أخرجه ابن المنذر بهذا الإسناد عنه أيضا، وأخرجه عنه، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عنه أي: لا العذب على الملح ولا عكسه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( المنشآت ما رفع قلعه من السفن، فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ) أخرجه أيضا به. وقيل: يعني السفن التي أنشئت. أي: ابتدئ بهن في البحر لتجري فيه. والقلع بكسر القاف وسكون اللام وفتحها أيضا حكاه ابن التين. قال غندر: كان الأعمش يقرؤها: ( المنشئات ) يعني: الباديات. وقرأ بها عاصم . وقال الضحاك : ( المنشئات ) الفاعلات، قال الزجاج : والفتح أجود.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 340 ] ( ص ) ( وقال مجاهد : ونحاس الصفر يصب على رءوسهم، يعذبون به ) أسنده ابن المنذر ، عن موسى بن هارون، عن يحيى، ثنا قيس، عن منصور عنه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( والشواظ لهب من نار ) وهو من تتمة قول مجاهد ، وقد أسنده ابن المنذر بالسند السالف عن ابن المبارك إلى آخره. وقيل: هو اللهب الذي لا دخان فيه. وقيل: هو النار المحضة بغير دخان.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال مجاهد : خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله -عز وجل- فيتركها )، أسنده ابن المنذر عن بكار بن قتيبة ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا سفيان ، عن منصور عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة : يعمل بالليل والنهار.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: جنتان فيه رد لقول الفراء : إنها قد تكون جنة فثني.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 341 ] ( ص ) ( مدهامتان سوداوان من الري ) أسنده ابن أبي حاتم ، عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه. أعني: عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              وجزم به أيضا في باب: صفة الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( صلصال طين خلط برمل ) إلى قوله: ( كببته ) سلف في باب: خلق آدم.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( فاكهة ونخل ورمان قال بعضهم: ليس الرمان والنخل بالفاكهة -يعني أن أبا حنيفة-، وأما العرب فإنها تعدها فاكهة فتجيب بهما كقوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فأمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كما أعيد النخل والرمان ) أي: فهو من باب عطف الخاص على العام قال: ( ومثله: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ثم قال: وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب وقد ذكرهم في أول قوله: من في السماوات ومن في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                              ( وقال غيره: أفنان : أغصان ) جزم به في باب: صفة الجنة، وحكاه الثعلبي عن مجاهد ، فينظر في قوله. وقال غيره: وقال [ ص: 342 ] ابن عباس : واحدهما: فنن. وعبارة الضحاك : ألوان الفواكه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وجنى الجنتين دان ما يجتنى قريب ) أي مثاله القائم والقاعد والنائم، وقد جزم به أيضا هناك.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال الحسن: فبأي آلاء ربكما قال قتادة : يعني الجن والإنس ) كذا في الأصول، وفي بعض النسخ: فبأي آلاء : نعمه. وقال قتادة : ربكما يعني: الجن والإنس.

                                                                                                                                                                                                                              والآلاء: النعم بلا شك. واحدها ( ألا ) وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال أبو الدرداء : كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا، ويكشف كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين ) هذا مرفوع أخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار ، ثنا الوزير بن صبيح أبو روح الدمشقي، سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس يحدث عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء مرفوعا: "من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا" إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة : يحيي حيا ويميت، ويربي صغيرا، ويفك أسيرا، ويغني فقيرا، وهو يسير حاجات الصالحين ويرى شكواهم وصريخ الأخيار. وقال عبيد بن عمير بن شبابة: أن يفك عانيا، ويشفي مريضا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 343 ] وقيل: يعتق رقابا، ويقحم عقابا، ويعطي رغابا. وقيل غير ذلك مما هو بنحوه.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال ابن عباس : برزخ : حاجز ) أسنده ابن أبي حاتم ، عن أبيه، عن أبي صالح ، عن معاوية ، عن علي عنه. وقال الحسن: أبهم البرزخ، فلا يبغيان عنكم فيغرقاكم. وقال قتادة : هو بحر فارس والروم، وبحر المشرق وبحر المغرب، وفي بحر الجزيرة واليبس ما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي. وقال ابن أبزى : البرزخ: البعد.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( الأنام: الخلق ) قال الحسن: الجن والإنس، وقال ابن عباس : لكل ذي روح.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( نضاختان : فياضتان ) أي: لا ينقطع من الماء، أو من المسك والكافور.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( ذو الجلال : العظمة ) هو كما قال.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( سنفرغ لكم : سنحاسبكم، لا يشغله شيء عن شيء، وهو معروف في كلام العرب، يقال: لأتفرغن لك وما به شغل، يقول: لآخذنك على غرتك ) هذا قول ابن عباس والضحاك أنه تهديد. وقيل: سنقصدكم بعد الإهمال ونأخذ في أمركم. وقيل غير ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية