الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ الرجوع عن الإقرار بالزنى ]

وأما المسألة الثانية وهي من اعترف بالزنى ثم رجع ، فقال : جمهور العلماء يقبل رجوعه ، إلا ابن أبي ليلى وعثمان البتي ، وفصل مالك فقال : إن رجع إلى شبهة قبل رجوعه ، وأما إن رجع إلى غير شبهة فعنه في ذلك روايتان : إحداهما يقبل وهي الرواية المشهورة . والثانية لا يقبل رجوعه .

وإنما صار الجمهور إلى تأثير الرجوع في الإقرار لما ثبت من تقريره - صلى الله عليه وسلم - ماعزا وغيره مرة بعد مرة لعله يرجع ، ولذلك لا يجب على من أوجب سقوط الحد بالرجوع أن يكون التمادي على الإقرار شرطا من شروط الحد . وقد روي من طريق : " أن ماعزا لما رجم ومسته الحجارة هرب فاتبعوه ، فقال لهم : ردوني إلى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، فقتلوه رجما وذكروا ذلك إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال : " هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه " ، ومن هنا تعلق الشافعي بأن التوبة تسقط الحدود ، والجمهور على خلافه ، وعلى هذا يكون عدم التوبة شرطا ثالثا في وجوب الحد .

وأما ثبوت الزنى بالشهود فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنى بالشهود ، وأن العدد المشترط في الشهود أربعة بخلاف سائر الحقوق لقوله تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) وأن من صفتهم أن يكونوا عدولا ، وأن من شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها ، وأنها تكون بالتصريح لا بالكناية ، وجمهورهم على أن من شرط هذه الشهادة أن لا تختلف لا في زمان ولا في مكان إلا ما حكي عن أبي حنيفة من مسألة الزوايا المشهورة ، وهو أن يشهد كل واحد من الأربعة أنه رآها في ركن من البيت يطؤها غير الركن الذي رآه فيه الآخر .

[ ص: 752 ] وسبب الخلاف هل تلفق الشهادة المختلفة بالمكان أم لا تلفق كالشهادة المختلفة بالزمان ؟ فإنهم أجمعوا على أنها لا تلفق ، والمكان أشبه شيء بالزمان . والظاهر من الشرع قصده إلى التوثق في ثبوت هذا الحد أكثر منه في سائر الحدود .

التالي السابق


الخدمات العلمية