الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1825 وقال همام وابن عبد الله بن عمر ، عن أبي هريرة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالفطر والأول أسند .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  همام هو ابن منبه الصنعاني ، وقد مر في باب حسن إسلام المرء ، وهذا التعليق وصله أحمد وابن حبان من طريق معمر عنه بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ " . قوله : " وابن عبد الله " بالرفع عطف على همام ، وكان لعبد الله بنون ستة قال الكرماني : والظاهر أن المراد بابن عبد الله هنا هو سالم لأنه يروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه . قلت : الجزم بأنه سالم بن عبد الله غير صحيح؛ لأن فيه اختلافا ، فقيل : هو عبد الله بن عمر ، وقيل : هو عبيد الله بن عبد الله بالتكبير والتصغير في اسم الابن؛ ولأجل هذا الاختلاف لم يسمه البخاري صريحا ، وأما تعليق [ ص: 7 ] ابن عبد الله بن عمر فوصله عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن شهاب ، عن ابن عبد الله بن عمر ، عن أبي هريرة به فقيل : قد اختلف على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه : أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر قال : قال أبو هريرة : " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا " أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين ، وقال عقيل عنه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به فاختلف على الزهري هل هو عبد الله بالتكبير أو عبيد الله بالتصغير . قوله : " والأول أسند " قال الكرماني : أي حديث أمهات المؤمنين أسند ، أي أصح إسنادا . قلت : ليس المراد بقوله أسند أي أصح؛ لأن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : والأول أسند يريد - والله أعلم - أن حديث أبي هريرة مختلف في إسناده ، فليس في أحد من الصحيحين إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال : كذلك حدثني الفضل بن عباس ، وقد ذكرنا أن أبا هريرة أحال فيه عليه وعلى غيره تارة بتصريح وتارة بإبهام ، وقال الدارقطني معناه أظهر إسنادا وأبين في الاتصال ، وقال ابن التين : أي الطريق الأول أوضح رفعا ، وقال بعضهم : معناه أقوى إسنادا؛ لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاء عنهما من طرق كثيرة جدا بمعنى واحد ، حتى قال ابن عبد البر : إنه صح وتواتر ، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به . قلت : قد ذكرنا الآن أن الإسناد إلى أبي هريرة هو الإسناد إلى أمي المؤمنين في أكثر الطرق ، فإن قلت : كيف هذا وقد روى أبو عمر من رواية عطاء بن مينا " عن أبي هريرة أنه قال : كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر وإن ذلك من كيس أبي هريرة " قلت : لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك ، وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق ، إلا أن الخبر منسوخ . انتهى .

                                                                                                                                                                                  وقد ذكرنا وجه النسخ بأن حديث عائشة هو الناسخ لحديث الفضل ، ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ ، فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه ، ويؤيد ذلك أن في حديث عائشة الذي رواه مسلم من حديث أبي يونس مولى عائشة عنها وقد ذكرنا عن قريب ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية لقوله فيها: " غفر الله لك ما تقدم وما تأخر " وأشار إلى آية الفتح ، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست ، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية والله أعلم ، ومنهم من جمع بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل بأن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر ، فلو خالف جاز ، ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز ، ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر وبالنهي عن الصيام ، فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان ، وقيل هو محمول على من أدركه الفجر مجامعا فاستدام بعد طلوعه عالما بذلك ، ويعكر عليه ما رواه النسائي من طريق أبي حازم ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبيه أن أبا هريرة كان يقول : من احتلم وعلم باحتلامه ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم .

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن التين عن بعضهم أنه سقط كلمة " لا " من حديث الفضل ، وكان في الأصل من أصبح جنبا في رمضان فلا يفطر ، فلما سقطت " لا " صار فليفطر ، وهذا كلام واه لا يلتفت إليه ، لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث بطرقها مثل هذا الاحتمال ، فكان قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية