الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1829 وقال ابن مسعود : إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  ذكر في وجه مطابقته للترجمة وجوها : الأول : أن الادهان من الليل يقتضي استصحاب أثره في النهار ، وهو مما يرطب الدماغ ويقوي النفس ، فهو أبلغ من الاستعانة ببرد الاغتسال لحظة من النهار ثم يذهب أثره . قلت : هذا بعيد جدا لأن الأدهان في نفسها متفاوتة ، وما كل دهن يرطب الدماغ بل فيها ما يضره يعرفه من ينظر في علم الطب ، وقوله أبلغ من الاستعانة إلى آخره غير مسلم لأن الاغتسال بالماء لتحصيل البرودة، والدهن يقوي الحرارة وهو ضد ذاك ، فكيف يقول هو أبلغ إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  الوجه الثاني : قاله بعضهم إن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام ، كما ورد مثله في الحج والادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال . قلت : هذا أبعد من الأول : لأن الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه ، وكذلك أثر ابن مسعود في الجواز لا في المنع ، فكيف يجعل الجواز مناسبا للمنع .

                                                                                                                                                                                  الوجه الثالث : ما قيل أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء إلى حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة وبالسواك وبذوق القدر ونحو ذلك ، وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل والادهان والكحل ونحو ذلك . قلت : هذا أقرب إلى القبول ، ولكن تحقيقه أن يقال : إن بالاغتسال يحصل التطهر والتنظف للصائم ، وهو في ضيافة الله تعالى ينتظر المائدة ، ومن حاله هذه يحسن له التطهر والتنظف ، [ ص: 13 ] والتطيب وهذه تحصل بالاغتسال والادهان والترجل .

                                                                                                                                                                                  قوله : " دهينا " على وزن فعيلا بمعنى مفعول أي مدهونا . قوله : " مترجلا " من الترجل وهو تسريح الشعر وتنظيفه ، وكذلك الترجيل ، ومنه أخذ المرجل وهو المشط ، وروي عن قتادة أنه قال : يستحب للصائم أن يدهن حتى يذهب عنه غبرة الصوم ، وأجازه الكوفيون والشافعي رضي الله تعالى عنه وقال : لا بأس أن يدهن الصائم شاربه ، وممن أجاز الدهن للصائم مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ ذكره ابن حبيب وكرهه ابن أبي ليلى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية