الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الثالث : في مسائل تتشعب عن النظر في حقيقة النسخ

              وهي ست مسائل . مسألة : يجوز عندنا نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال خلافا للمعتزلة .

              وصورته أن يقول الشارع في رمضان حجوا في هذه السنة ثم يقول قبل يوم عرفة لا تحجوا فقد نسخت عنكم الأمر . أو يقول : اذبح ولدك : فيبادر إلى إحضار أسبابه ، فيقول قبل ذبحه : لا تذبح فقد نسخت عنك الأمر ، لأن النسخ عندنا رفع للأمر أي لحكم الأمر ومدلوله وليس بيانا لخروج المنسوخ عن لفظ الأمر بخلاف التخصيص ، فلو قال : صلوا أبدا ، فيجوز أن ينسخ بعد سنة وجوب الصلاة في المستقبل لا بمعنى أنه لم يقصد باللفظ الأول الدلالة على جميع الأزمان ، ولكن بمعنى قطع حكم اللفظ بعد دوامه ، إذ كان دوامه مشروطا بعدم النسخ ، فكل أمر مضمن بشرط أن لا ينسخ ، فكأنه يقول : صلوا أبدا ما لم أنهكم ولم أنسخ عنكم أمري .

              وإذا كان كذلك عقل نسخ الحج قبل عرفة ونسخ الذبح قبل فعله ; لأن الأمر قبل التمكن حاصل وإن كان أمرا بشرط التمكن ; لأن الأمر بالشرط ثابت ، ولذلك يعلم المأمور كونه مأمورا قبل التمكن من الامتثال . ولما لم تفهم المعتزلة هذا أنكروا ثبوت الأمر بالشرط كما سيأتي فساد مذهبهم في كتاب الأوامر . وأقرب دليل على فساده أن المصلي ينوي الفرض وامتثال الأمر في ابتداء الصلاة ، وربما يموت في أثنائها وقبل تمام التمكن ، ولو مات قبل لم يتبين أنه لم يكن مأمورا بل نقول كان مأمورا بأمر مقيد بشرط والأمر المقيد بالشرط ثابت في الحال وجد الشرط أو لم يوجد وهم يقولون : إذا لم يوجد الشرط علمنا انتفاء الأمر من أصله وأنا كنا نتوهم وجوبه .

              فبان أنه لم يكن . فهذه المسألة فرع لتلك المسألة ، ولذلك أحالت المعتزلة النسخ قبل التمكن وقالوا أيضا : إنه يؤدي إلى أن يكون الشيء الواحد في وقت واحد على وجه واحد مأمورا منهيا حسنا قبيحا مكروها مرادا مصلحة مفسدة ، وجميع ما يتعلق بالحسن والقبح والصلاح والفساد قد أبطلناه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية