الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      قيل في ن والقلم نحو ما قدمناه من القول في حروف التهجي في أول سورة البقرة ، وقد روى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {ن} لوح من نور .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى ثابت البناني : أن {ن} : الدواة ، وقاله الحسن ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أنه قال : أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فقال :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 451 ] وما أكتب؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب ، ثم خلق نون ، فرفع الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن مجاهد قال : {ن} : الحوت الذي تحت الأرض السابعة ، قال : {والقلم} : الذي كتب به الذكر ، والضمير في {يسطرون} للملائكة ، ومعناه : يكتبون أعمال بني آدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما أنت بنعمة ربك بمجنون : هذا جواب القسم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإنك لعلى خلق عظيم : قالت عائشة رضي الله عنها : هو القرآن ، وقال مجاهد : هو الدين ، علي رضي الله عنه : هو أدب القرآن : وقيل : هو رفقه بأمته ، وإكرامه إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بأييكم المفتون : قال الحسن : المعنى : بأيكم الجنون؟ فـ {المفتون} على هذا بمعنى : الفتون ، وقيل {المفتون} بمعنى : الفتنة ، وقيل : الباء زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون؟ وقيل : في الكلام تقدير حذف مضاف ، والمعنى : بأيكم فتنة المفتون؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : فيه تقدير حذف فعل ، والمعنى : بأيكم فتن المفتون؟ وقيل : الباء بمعنى : (في) ، قاله الفراء ، والمعنى : في أيكم المفتون؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ودوا لو تدهن فيدهنون : قال ابن عباس ، وغيره : المعنى : ودوا لو تكفر ، فيتمادون على كفرهم ، وعنه أيضا ودوا لو ترخص لهم ، فيرخصون .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : (الإدهان) : التليين لمن لا ينبغي له التليين .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى : ودوا لو ركنت إليهم ، وتركت الحق فيمالئونك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 452 ] وقوله : ولا تطع كل حلاف مهين يعني : الأخنس بن شريق في قول الشعبي .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : الأسود بن عبد يغوث ، أو عبد الرحمن بن الأسد ، وقيل : هو الوليد بن المغيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الحلاف) : الكثير الحلف ، و (المهين) : الضعيف القلب ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : الكذاب ، وقيل : معناه : الحقير عند الله ، وقيل : هو (فعيل) بمعنى (مفعل) ، والمعنى : مهان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هماز مشاء بنميم : قال ابن زيد : (الهماز) : الذي يهمز الناس بيده ، ويضربهم ، و (اللماز) : الذي يذكرهم في مغيبهم ، وقيل : هما جميعا لمن يذكر في المغيب .

                                                                                                                                                                                                                                      و (النميم) و (النميمة) سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : مناع للخير أي للمال من أن ينفق في وجوهه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : {معتد} أي : معتد على الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      {أثيم} أي : ذي إثم ، ومعناه : مأثوم ، فهو (فعيل) بمعنى : (مفعول) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : عتل بعد ذلك زنيم : (العتل) : الجافي الشديد في كفره .

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : هو الشديد الخصومة بالباطل ، و (الزنيم) : الملصق بالقوم الدعي ، عن ابن عباس ، وعنه أيضا : أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة ، وروى [ ص: 453 ] عنه ابن جبير : أنه الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى بعد ذلك : مع ذلك ، عن أبي عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أن كان ذا مال وبنين أي : لأن كان ذا مال وبنين جعل نعمة الله ذريعة إلى الكفر به .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بالاستفهام؛ فمعناه التقرير والتوبيخ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : سنسمه على الخرطوم : قال ابن عباس : المعنى : سنخطمه بالسيف ، قال : وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : المعنى : سنسمه يوم القيامة على أنفه [سمة يعرف بها ، وقيل : المعنى : سنلحق به عارا وسبة ، حتى يكون كمن وسم على أنفه] ، وقيل : عبر عن الوجه بـ {الخرطوم} ؛ لأنه منه ، والمعنى : سنسود وجهه ، و {الخرطوم} من الإنسان : الأنف ، ومن السباع : موضع الشفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنا بلوناهم أي : اختبرناهم .

                                                                                                                                                                                                                                      كما بلونا أصحاب الجنة : روي : أن هذه الجنة كانت لشيخ كبير ، فكان يتصدق من غلتها بما فضل عن قوته وقوت عياله ، وينهاه بنوه عن ذلك ، فلما مات؛ أقسموا ليصرمنها مصبحين ؛ أي : ليأخذن ما فيها صباحا في وقت لا يراهم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 454 ] أحد ، ولا يستثنون ؛ أي : ولم يستثنوا في حلفهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون : قال الفراء : لا يكون (الطائف) إلا ليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأصبحت كالصريم أي : كالليل المـظلم ، عن ابن عباس؛ أي : احترقت ، فصارت سوداء .

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري : كالزرع المحصود .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : {كالصريم} : كالنهار؛ فالمعنى : ذهب ما فيها ، فهي تشبه النهار في بياضه؛ لزوال ما كان فيها من الزرع ، ويقال لليل : (صريم) ، وللنهار : (صريم) ؛ لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أن اغدوا على حرثكم : أي : على حصاده إن كنتم صارمين ؛ أي : حاصدين ، وأصل (الصرم) : القطع ، وأكثر ما يستعمل في النخل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فانطلقوا وهم يتخافتون أي : يتسارون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وغدوا على حرد قادرين أي : على جد ، عن قتادة ، الحسن : أي : [ ص: 455 ] على حاجة وفاقة ، وقيل : على قصد ، وقيل : على غضب ، وقيل : على منع ، من قولهم : (حاردت الشاة) ؛ إذا منعت لبنها ، [ و (السنة) ؛ إذا منعت قطرها] ، ويقال أيضا (حرد يحرد) ؛ إذا قصد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {قادرين} : قد قدروا أمرهم ، وبنوا عليه ، قاله الفراء ، وقيل : معناه : من الوجود؛ أي : منعوا وهم واجدون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلما رأوها قالوا إنا لضالون أي : أخطأنا الطريق ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : بل نحن محرومون أي : حرمنا جنتنا بما صنعنا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أوسطهم أي : أعدلهم وخيرهم : ألم أقل لكم لولا تسبحون ؛ أي : هلا تستثنون ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي : أقبل بعضهم يلوم بعضا فيما كان من رأيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها : يروى : أنهم بدلوا الطائف ، اقتلعها جبريل عليه السلام من الأردن؛ وطاف بها بالكعبة سبعا ، وأنزلها بثقيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كذلك العذاب أي : عذاب الدنيا وهلاك الأموال ، عن ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أم لكم كتاب فيه تدرسون أي : ألكم كتاب تجدون فيه المطيع [ ص: 456 ] كالعاصي؟ وقيل : إن {تدرسون} عامل في إن لكم فيه لما تخيرون في المعنى ، ومنعت اللام من فتح {إن} .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية