الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالثة: إذا قيل في الإسناد: "فلان، عن رجل أو عن شيخ عن فلان" أو نحو ذلك، فالذي ذكره الحاكم في (معرفة علوم الحديث) أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا، وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل، والله أعلم.

ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر، كما سبق بيانه في نوع الحسن؛ ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات سعيد بن المسيب رضي الله عنهما، فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر، ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب، كما سبق.

ومن أنكر ذلك زاعما أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل، فيقع لغوا لا حاجة إليه، فجوابه أنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال، حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم بمثله الحجة، على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني. وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن.

وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم.

[ ص: 385 ]

التالي السابق


[ ص: 385 ] 46 - قوله: (الثالثة: إذا قيل في الإسناد: "فلان، عن رجل أو عن شيخ عن فلان" أو نحو ذلك، فالذي ذكره الحاكم في (معرفة علوم الحديث) أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا، وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل) انتهى.

اقتصر المصنف من الخلاف على هذين القولين، وكل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون؛ فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن هذا متصل في إسناده [ ص: 386 ] مجهول، وقد حكاه عن الأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار في (الغرر المجموعة) واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي في كتاب (جامع التحصيل).

وما ذكره المصنف عن بعض المصنفات المعتبرة ولم يسمه فالظاهر أنه أراد به "البرهان" لإمام الحرمين، فإنه قال فيه: "وقول الراوي: أخبرني رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا" وزاد الإمام فخر الدين في [ ص: 387 ] (المحصول) على هذا فقال: "إن الراوي إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل".

وما ذكره المصنف عن بعض كتب الأصول قد فعله أبو داود في كتاب (المراسيل) فيروي في بعضها ما أبهم فيه الرجل ويجعله مرسلا.

بل زاد البيهقي على هذا في سننه فجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم: مرسلا، وهذا ليس منه بجيد، اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة، فهو قريب.

[ ص: 388 ] وقد روى البخاري عن الحميدي قال: "وإذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة، وإن لم يسم ذلك الرجل".

وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه، فالحديث صحيح؟ قال: نعم".

وقد ذكر المصنف في آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأنهم كلهم عدول. وحكاه الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في كتاب (القدح المعلى) عن أكثر العلماء.

نعم، فرق أبو بكر الصيرفي من الشافعية في كتاب (الدلائل) بين أن يرويه [ ص: 389 ] التابعي عن الصحابي معنعنا أو مع التصريح بالسماع، فقال: "فإذا قال في الحديث بعض التابعين، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقبل؛ لأني لا أعلم سمع التابعي من ذلك الرجل؛ إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي، ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر. قال: وإذا قال: سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل؛ لأن الكل عدول" انتهى كلام الصيرفي، وهو حسن متجه، وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا التفصيل. والله أعلم.




الخدمات العلمية