قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم هذا نهي ، وهو من كلام
اليهود بعضهم لبعض ، أي قال ذلك الرؤساء للسفلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : من قول
يهود خيبر ليهود المدينة . وهذه الآية أشكل ما في السورة . فروي عن
الحسن ومجاهد أن معنى الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنهم لا حجة لهم فإنكم أصح منهم دينا . و ( أن )
[ ص: 106 ] و ( يحاجوكم ) في موضع خفض ، أي بأن يحاجوكم أي باحتجاجهم ، أي لا تصدقوهم في ذلك فإنهم لا حجة لهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من التوراة والمن والسلوى وفرق البحر وغيرها من الآيات والفضائل . فيكون أن يؤتى مؤخرا بعد أو يحاجوكم ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إن الهدى هدى الله اعتراض بين كلامين . وقال
الأخفش : المعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم ; يذهب إلى أنه معطوف . وقيل : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; فالمد على الاستفهام أيضا تأكيد للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه ; لأن علماء
اليهود قالت لهم : لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; أي لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ; فالكلام على نسقه . و ( أن ) في موضع رفع على قول من رفع في قولك أزيد ضربته ، والخبر محذوف تقديره أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقون أو تقرون ، أي إيتاء موجود مصدق أو مقر به ، أي لا تصدقون بذلك . ويجوز أن تكون أن في موضع نصب على إضمار فعل ; كما جاز في قولك أزيدا ضربته ، وهذا أقوى في العربية لأن الاستفهام بالفعل أولى ، والتقدير أتقرون أن يؤتى ، أو أتشيعون ذلك ، أو أتذكرون ذلك ونحوه . وبالمد قرأ
ابن كثير وابن محيصن وحميد . وقال
أبو حاتم : " أن " معناه " ألأن " ، فحذفت لام الجر استخفافا وأبدلت مدة ; كقراءة من قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=14أن كان ذا مال ; أي ألأن . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ; أو تكون ( أو ) بمعنى " أن " لأنهما حرفا شك وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر . وتقدير الآية : وأن يحاجوكم عند ربكم يا معشر المؤمنين ، فقل : يا
محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه . ومن قرأ بترك المد قال : إن النفي الأول دل على إنكارهم في قولهم ولا تؤمنوا . فالمعنى أن علماء
اليهود قالت لهم : لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي لا إيمان لهم ولا حجة ; فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات ، أي أنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم . فالكلام فيه تقديم وتأخير على هذه القراءة واللام زائدة . ومن استثنى ليس من الأول ، وإلا لم يجز الكلام . ودخلت أحد لأن أول الكلام نفي ، فدخلت في صلة ( أن ) لأنه مفعول الفعل المنفي ; فأن في موضع نصب لعدم الخافض . وقال
الخليل : ( أن ) في موضع خفض بالخافض المحذوف . وقيل : إن اللام ليست بزائدة ، و تؤمنوا محمول على تقروا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : المعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم . وقيل : المعنى لا تخبروا بما في كتابكم من صفة
محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا لمن تبع دينكم لئلا
[ ص: 107 ] يكون طريقا إلى عبدة الأوثان إلى تصديقه . وقال
الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام
اليهود عند قوله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إلا لمن تبع دينكم ثم قال
لمحمد - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الهدى هدى الله أي إن البيان الحق هو بيان الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بين ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، و " لا " مقدرة بعد " أن " أي لئلا يؤتى ; كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يبين الله لكم أن تضلوا ; أي لئلا تضلوا ، فلذلك صلح دخول " أحد " في الكلام . و " أو " بمعنى " حتى " و " إلا أن " ; كما قال
امرؤ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقال آخر :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
ومثله قولهم : لا نلتقي أو تقوم الساعة ، بمعنى " حتى " أو " إلى أن " ; وكذلك مذهب الكسائي . وهي عند
الأخفش عاطفة على ولا تؤمنوا وقد تقدم . أي لا إيمان لهم ولا حجة ; فعطف على المعنى . ويحتمل أن تكون الآية كلها خطابا للمؤمنين من الله تعالى على جهة التثبيت لقلوبهم والتشحيذ لبصائرهم ; لئلا يشكوا عند تلبيس
اليهود وتزويرهم في دينهم . والمعنى لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدين ، ولا تصدقوا أن يحاجكم في دينكم عند ربكم من خالفكم أو يقدر على ذلك ، فإن الهدى هدى الله وإن الفضل بيد الله . قال
الضحاك : إن
اليهود قالوا إنا نحاج عند ربنا من خالفنا في ديننا ; فبين الله تعالى أنهم هم المدحضون المعذبون وأن المؤمنين هم الغالبون . ومحاجتهم خصومتهم يوم القيامة . ففي الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=838172إن اليهود والنصارى يحاجونا عند ربنا فيقولون أعطيتنا أجرا واحدا وأعطيتهم أجرين فيقول هل ظلمتكم من حقوقكم شيئا قالوا لا قال فإن ذلك فضلي أوتيه من أشاء ) . قال علماؤنا : فلو علموا أن ذلك من فضل الله لم يحاجونا عند ربنا ; فأعلم الله نبيه صلى أنهم يحاجونكم يوم القيامة عند ربكم ، ثم قال : قل لهم الآن
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . وقرأ
ابن كثير ( آن يؤتى ) بالمد على الاستفهام ; كما قال
الأعشى :
[ ص: 108 ] أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل
وقرأ الباقون بغير مد على الخبر . وقرأ
سعيد بن جبير " إن يؤتى " بكسر الهمزة ، على معنى النفي ; ويكون من كلام الله تعالى كما قال
الفراء . والمعنى : قل يا
محمد إن الهدى هدى الله إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم يعني
اليهود - بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم . ونصب " أو يحاجوكم " يعني بإضمار " أن " و " أو " تضمر بعدها " أن " إذا كانت بمعنى " حتى " و " إلا أن " . وقرأ
الحسن " أن يؤتي " بكسر التاء وياء مفتوحة ، على معنى أن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الهدى هدى الله فيه قولان :
( أحدهما ) إن الهدى إلى الخير والدلالة إلى الله عز وجل بيد الله جل ثناؤه يؤتيه أنبياءه ، فلا تنكروا أن يؤتى أحد سواكم مثل ما أوتيتم ، فإن أنكروا ذلك فقل لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء . ( والقول الآخر )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الهدى هدى الله الذي آتاه المؤمنين من التصديق
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لا غيره . وقال بعض أهل الإشارات في هذه الآية : لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإن من لا يوافقكم لا يرافقكم ، والله أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ هَذَا نَهْيٌ ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ
الْيَهُودِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ الرُّؤَسَاءُ لِلسِّفْلَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : مِنْ قَوْلِ
يَهُودِ خَيْبَرَ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ . وَهَذِهِ الْآيَةُ أَشْكَلُ مَا فِي السُّورَةِ . فَرُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِأَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فَإِنَّكُمْ أَصَحُّ مِنْهُمْ دِينًا . وَ ( أَنْ )
[ ص: 106 ] وَ ( يُحَاجُّوكُمْ ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ ، أَيْ بِأَنْ يُحَاجُّوكُمْ أَيْ بِاحْتِجَاجِهِمْ ، أَيْ لَا تُصَدِّقُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَرْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ وَالْفَضَائِلِ . فَيَكُونُ أَنْ يُؤْتَى مُؤَخَّرًا بَعْدَ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ . وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : الْمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ ; يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ; فَالْمَدُّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ أَيْضًا تَأْكِيدٌ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي قَالُوهُ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتُوهُ ; لِأَنَّ عُلَمَاءَ
الْيَهُودِ قَالَتْ لَهُمْ : لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ; أَيْ لَا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ; فَالْكَلَامُ عَلَى نَسَقِهِ . وَ ( أَنْ ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَفَعَ فِي قَوْلِكَ أَزَيْدٌ ضَرَبْتَهُ ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ تُصَدِّقُونَ أَوْ تُقِرُّونَ ، أَيْ إِيتَاءٌ مَوْجُودٌ مُصَدِّقٌ أَوْ مُقِرٌّ بِهِ ، أَيْ لَا تُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ ; كَمَا جَازَ فِي قَوْلِكَ أَزَيْدًا ضَرَبْتَهُ ، وَهَذَا أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ بِالْفِعْلِ أَوْلَى ، وَالتَّقْدِيرُ أَتُقِرُّونَ أَنْ يُؤْتَى ، أَوْ أَتُشِيعُونَ ذَلِكَ ، أَوْ أَتَذْكُرُونَ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ . وَبِالْمَدِّ قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : " أَنْ " مَعْنَاهُ " أَلِأَنْ " ، فَحُذِفَتْ لَامُ الْجَرِّ اسْتِخْفَافًا وَأُبْدِلَتْ مَدَّةً ; كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=14أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ ; أَيْ أَلِأَنْ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ رُجُوعٌ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ ; أَوْ تَكُونُ ( أَوْ ) بِمَعْنَى " أَنْ " لِأَنَّهُمَا حَرْفَا شَكٍّ وَجَزَاءٍ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ . وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ : وَأَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقُلْ : يَا
مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ . وَمَنْ قَرَأَ بِتَرْكِ الْمَدِّ قَالَ : إِنَّ النَّفْيَ الْأَوَّلَ دَلَّ عَلَى إِنْكَارِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ وَلَا تُؤْمِنُوا . فَالْمَعْنَى أَنَّ عُلَمَاءَ
الْيَهُودِ قَالَتْ لَهُمْ : لَا تُصَدِّقُوا بِأَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ، أَيْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ وَلَا حُجَّةَ ; فَعَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْكِتَابِ وَالْحُجَّةِ وَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْكَرَامَاتِ ، أَيْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِيكُمْ فَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينكُمْ . فَالْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ . وَمَنِ اسْتَثْنَى لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزِ الْكَلَامُ . وَدَخَلَتْ أَحَدٌ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ نَفْيٌ ، فَدَخَلَتْ فِي صِلَةِ ( أَنْ ) لِأَنَّهُ مَفْعُولُ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ ; فَأَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِعَدَمِ الْخَافِضِ . وَقَالَ
الْخَلِيلُ : ( أَنْ ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْخَافِضِ الْمَحْذُوفِ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ ، وَ تُؤْمِنُوا مَحْمُولٌ عَلَى تُقِرُّوا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : الْمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تُخْبِرُوا بِمَا فِي كِتَابِكُمْ مِنْ صِفَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ لِئَلَّا
[ ص: 107 ] يَكُونَ طَرِيقًا إِلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى تَصْدِيقِهِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدِ انْقَطَعَ كَلَامُ
الْيَهُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ثُمَّ قَالَ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَيْ إِنَّ الْبَيَانَ الْحَقَّ هُوَ بَيَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ بَيَّنَ أَلَّا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ، وَ " لَا " مُقَدَّرَةٌ بَعْدَ " أَنْ " أَيْ لِئَلَّا يُؤْتَى ; كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ; أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا ، فَلِذَلِكَ صَلُحَ دُخُولُ " أَحَدٍ " فِي الْكَلَامِ . وَ " أَوْ " بِمَعْنَى " حَتَّى " وَ " إِلَّا أَنْ " ; كَمَا قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
فَقُلْتُ لَهُ لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا
وَقَالَ آخَرُ :
وَكُنْتُ إِذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ : لَا نَلْتَقِي أَوْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، بِمَعْنَى " حَتَّى " أَوْ " إِلَى أَنْ " ; وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ . وَهِيَ عِنْدَ
الْأَخْفَشِ عَاطِفَةٌ عَلَى وَلَا تُؤْمِنُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ . أَيْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ وَلَا حُجَّةَ ; فَعَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى . وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ كُلُّهَا خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ التَّثْبِيتِ لِقُلُوبِهِمْ وَالتَّشْحِيذِ لِبَصَائِرِهِمْ ; لِئَلَّا يَشُكُّوا عِنْدَ تَلْبِيسِ
الْيَهُودِ وَتَزْوِيرِهِمْ فِي دِينِهِمْ . وَالْمَعْنَى لَا تُصَدِّقُوا يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْفَضْلِ وَالدِّينِ ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُحَاجَّكُمْ فِي دِينِكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَنْ خَالَفَكُمْ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وَإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ . قَالَ
الضَّحَّاكُ : إِنَّ
الْيَهُودَ قَالُوا إِنَّا نُحَاجُّ عِنْدَ رَبِّنَا مَنْ خَالَفَنَا فِي دِينِنَا ; فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمُدْحَضُونَ الْمُعَذَّبُونَ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْغَالِبُونَ . وَمُحَاجَّتُهُمْ خُصُومَتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَفِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=838172إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُحَاجُّونَا عِنْدَ رَبِّنَا فَيَقُولُونَ أَعْطَيْتَنَا أَجْرًا وَاحِدًا وَأَعْطَيْتَهُمْ أَجْرَيْنِ فَيَقُولُ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حُقُوقِكُمْ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ) . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ لَمْ يُحَاجُّونَا عِنْدَ رَبِّنَا ; فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى أَنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : قُلْ لَهُمُ الْآنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ( آنَ يُؤْتَى ) بِالْمَدِّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ; كَمَا قَالَ
الْأَعْشَى :
[ ص: 108 ] أَأَنْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ رَيْبُ الْمَنُونِ وَدَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِلُ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ مَدٍّ عَلَى الْخَبَرِ . وَقَرَأَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ " إِنْ يُؤْتَى " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ ; وَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ
الْفَرَّاءُ . وَالْمَعْنَى : قُلْ يَا
مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ إِنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ يَعْنِي
الْيَهُودَ - بِالْبَاطِلِ فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ . وَنَصَبَ " أَوْ يُحَاجُّوكُمْ " يَعْنِي بِإِضْمَارِ " أَنْ " وَ " أَوْ " تُضْمَرُ بَعْدَهَا " أَنْ " إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى " حَتَّى " وَ " إِلَّا أَنْ " . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ " أَنْ يُؤْتِيَ " بِكَسْرِ التَّاءِ وَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ، عَلَى مَعْنَى أَنْ يُؤْتِيَ أَحَدٌ أَحَدًا مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ فِيهِ قَوْلَانِ :
( أَحَدُهُمَا ) إِنَّ الْهُدَى إِلَى الْخَيْرِ وَالدِّلَالَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُؤْتِيهِ أَنْبِيَاءَهُ ، فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ سِوَاكُمْ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ، فَإِنْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقُلْ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . ( وَالْقَوْلُ الْآخَرُ )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ التَّصْدِيقِ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا غَيْرِهِ . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِشَارَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : لَا تُعَاشِرُوا إِلَّا مَنْ يُوَافِقُكُمْ عَلَى أَحْوَالِكُمْ وَطَرِيقَتِكُمْ فَإِنَّ مَنْ لَا يُوَافِقُكُمْ لَا يُرَافِقُكُمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .