الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( من بعد ما جاءتهم البينات ) فهو يقتضي أن يكون إيتاء الله تعالى إياهم الكتاب كان بعد مجيء البينات ، فتكون هذه البينات مغايرة لا محالة لإيتاء الكتاب ، وهذه البينات لا يمكن حملها على شيء سوى الدلائل العقلية التي نصبها الله تعالى على إثبات الأصول التي لا يمكن القول بالنبوة إلا بعد ثبوتها ; وذلك لأن المتكلمين يقولون : كل ما لا يصح إثبات النبوة إلا بعد ثبوته ، فذلك لا يمكن إثباته بالدلائل السمعية وإلا وقع الدور ، بل لا بد من إثباتها بالدلائل العقلية ، فهذه الدلائل هي البينات المتقدمة على إيتاء الله الكتب إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( بغيا بينهم ) فالمعنى أن الدلائل إما سمعية وإما عقلية ، أما السمعية فقد حصلت بإيتاء الكتاب ، وأما العقلية فقد حصلت بالبينات المتقدمة على إيتاء الكتاب ، فعند ذلك قد تمت البينات ولم يبق في العدول عذر ولا علة ، فلو حصل الإعراض والعدول لم يكن ذلك إلا بسبب الحسد والبغي والحرص على طلب الدنيا ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) [البينة : 4] .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) فاعلم أنه تعالى لما وصف حال أهل الكتاب وأنهم بعد كمال البينات أصروا على الكفر والجهل بسبب البغي والحسد بين أن حال هذه الأمة بخلاف حال أولئك ; فإن الله عصمهم عن الزلل وهداهم إلى الحق في الأشياء التي اختلف فيها أهل الكتاب ، يروى أنه عليه الصلاة والسلام قال : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، ونحن أول الناس دخولا الجنة يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، فهذا اليوم الذي هدانا له ، والناس لنا فيه تبع وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى " قال ابن زيد : اختلفوا في القبلة فصلت اليهود إلى بيت المقدس ، والنصارى إلى المشرق ، فهدانا الله للكعبة ، واختلفوا في الصيام ، فهدانا الله لشهر رمضان ، واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهوديا وقالت النصارى : كان نصرانيا ، فقلنا : إنه كان حنيفا مسلما ، واختلفوا في عيسى ، فاليهود فرطوا , والنصارى أفرطوا ، وقلنا القول العدل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية