الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 102 ] ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم عليه السلام إلى الآن ثم تستمر في الجنة 8 - إلا الإيمان ، والنكاح

                [ ص: 102 ]

                التالي السابق


                [ ص: 102 ] قوله : ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم عليه السلام إلخ . قال ابن الخطيب في تفسير سورة السجدة : واعلم أن التكاليف يوم القيامة وإن ارتفعت ، لكن الذكر والشكر لا يرتفع بل العبد يعبد ربه في الجنة أكثر مما يعبده في الدنيا وكيف لا وقد صار حاله كحال الملائكة الذين قال الله تعالى في حقهم { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } عن عبادته . غاية ما في الباب ، أن العبادة ليست عليهم بتكاليف بل هي مقتضى الطبع من جملة الأسباب الموجبة لدوام نعيم الجنة ، وهذا كيف ولخدمة الملوك لذة وشرف فلا تترك وإن قرب منه ، بل تزداد لذتها . ( 8 ) قوله : إلا الإيمان والنكاح إلخ . الظاهر أن المراد بالنكاح هنا الوطء لا العقد ، وإن كان حقيقة في العقد عندك ، قال البغوي في تفسير قوله عز وجل { وزوجناهم بحور عين } أي قربناهم بهن ليس من عقد التزويج ، لأنه لا يقال : زوجته بامرأة ، وقال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل ، أي جعلناهم اثنين باثنين . بقي أن يقال : إن النكاح بمعنى الوطء إنما كان عبادة في الدنيا باعتبار قصد التناسل المطلوب شرعا ، وذلك مفقود في الآخرة فليحرز .

                وقد سئل الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري عن الرجل السعيد ، في دنياه يتمنى الولد ولا يتمناه في الجنة . فقال تمنى الناس أولادا في الدنيا لحبهم فيها حتى إذا انقرضوا تبقى لهم نعيمهم ببقاء الولد ، وقد أمنوا الانقراض في الجنة . كذا في الطبقات التاجية . هذا وقد رفع سؤال للعلامة محمد بن أبي شريف الشافعي . صورته : هل في الجنة تزوج وولادة كحال الدنيا ، أم حال الآخرة خلاف حال الدنيا ؟ فأجاب : قد وقع خلاف من السلف في الولد ، فقال بعضهم : يكون الوضع والحمل والسن في ساعة واحدة . واستندوا في ذلك إلى ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري : { المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي } . قال [ ص: 103 ] الترمذي : حديث حسن غريب . وقال بعضهم يكون جماع ولا يكون ولد . واستندوا في ذلك إلى حديث في التذكرة أورده عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : { إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد } . والحديث الأول أولى لتحسين الترمذي له . وأما التزوج فلم أر حين هذه الكتابة حديثا مصرحا بعقد النكاح في الجنة كهيئة الدنيا ، نعم . روى الطبراني في الكبير والأوسط عن أم سلمة ولفظه : { قلت : يا رسول الله المرأة تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة في الدنيا . ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجا منهم . قال صلى الله تعالى عليه وسلم : يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا ، فتقول : يا رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة } ففي قول المرأة المخيرة بين أزواجها في خطابها لربها فزوجنيه ، أي : اجعله لي زوجا وليس مصرحا بالعقد




                الخدمات العلمية