الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
ومنها nindex.php?page=treesubj&link=26389أن يكون معلوم النوع والقدر وسواء كان معلوم الصفة أو لا ، وهو من شرائط الانعقاد ، فإن كان مجهول القدر أو مجهول النوع لم ينعقد .
وإن كان معلوم النوع والقدر مجهول الصفة جازت المكاتبة ، والأصل أن nindex.php?page=treesubj&link=26389الجهالة متى فحشت منعت جواز المكاتبة ، وإلا فلا ، وجهالة النوع والقدر جهالة فاحشة ، وجهالة الصفة غير فاحشة ، فإنه روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه أجاز المكاتبة على الوصفاء بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فيكون إجماعا على الجواز .
والإجماع على الجواز إجماع على سقوط اعتبار هذا النوع من الجهالة في باب الكتابة ، وبيان هذا الأصل في مسائل : إذا nindex.php?page=treesubj&link=26389كاتب عبده على ثوب أو دابة أو حيوان أو دار لم تنعقد حتى لا يعتق ، وإن أدى ; لأن الثوب والدار والحيوان مجهول النوع لاختلاف أنواع كل جنس وأشخاصه اختلافا متفاحشا ، وكذا الدور تجري مجرى الأجناس المختلفة لتفاحش التفاوت بين دار ودار في الهيئة والتقطيع وفي القيمة باختلاف المواضع من البلدان والمحال والسكك ، ولهذا منعت هذه الجهالة صحة التسمية والإعتاق على مال والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد فصارت هذه الأشياء لكثرة التفاوت في أنواعها وأشخاصها بمنزلة الأجناس المختلفة ، فيصير كأنه كاتبه على ثوب أو دابة أو حيوان أو دار فأدى طعاما ، ولو كان كذلك لا يعتق ، وإن أدى أعلى الثياب والدواب والدور بخلاف ما إذا كاتبه على قيمة فأدى القيمة أنه يعتق ; لأن التفاوت بين القيمتين لا يلحقهما بجنسين فكانت جهالة القيمة مفسدة للعقد لا مبطلة له ، وإن nindex.php?page=treesubj&link=11564_11206_26389كاتبه على ثوب هروي أو عبد أو جارية أو فرس جازت المكاتبة ; لأن الجهالة ههنا جهالة الوصف ، أنه جيد أو رديء أو وسط ، وأنها لا تمنع صحة التسمية كما في النكاح والخلع ، والأصل أن الحيوان يثبت دينا في الذمة في مبادلة المال بغير المال كما في النكاح ونحوه ، فتصح التسمية ويقع على الوسط كما في باب الزكاة والدية والنكاح ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=26389كاتبه على وصيف يجوز ، ويقع على الوسط ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=26389_11564_11206جاء العبد بقيمة الوسط في هذه المواضع يجبر المولى على القبول كما في النكاح والخلع ونحوهما ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=26389كاتبه على لؤلؤة أو ياقوتة لم ينعقد ; لأن الجهالة متفاحشة ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=9268_15556_7590_11206_11564_26389كاتبه على كر حنطة أو ما أشبه ذلك من المكيل والموزون ولم يصف يجوز وعليه الوسط من جنسه ; لأنه ثبت دينا في الذمة في مبادلة المال بالمال إذا كان موصوفا ، ويثبت في مبادلة ما ليس بمال بمال وإن لم يكن موصوفا كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد والإعتاق على مال ، والمكاتبة معاوضة ما ليس بمال بمال في جانب المولى فتجوز المكاتبة عليه ، ويجب الوسط ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=26389كاتبه على حكمه أو على حكم نفسه لم تنعقد ; لأن الجهالة ههنا أفحش من جهالة النوع والقدر ; لأن البدل هناك مسمى ، ولا تسمية للبدل ههنا رأسا فكانت الجهالة أكثر ، وإلى هذا أشار في الأصل فقال : أرأيت nindex.php?page=treesubj&link=7466لو حكم المولى عليه بملء الأرض ذهبا كان يلزمه ؟ أو nindex.php?page=treesubj&link=7459_7470حكم العبد على نفسه بفلس هل كان يعتق ؟ فلم ينعقد العقد أصلا فلا يعتق بالحكم ، وإن nindex.php?page=treesubj&link=7472_4858_7468كاتب على ألف درهم إلى العطاء أو إلى الدياس أو إلى الحصاد أو نحو ذلك مما يعرف من الأجل جاز استحسانا ، والقياس أن لا يجوز ; لأن الأجل مجهول وجهالة الأجل تبطل البيع فتبطل المكاتبة ، وجه الاستحسان أن الجهالة لم تدخل في صلب العقد ; لأنها لا ترجع إلى البدل وإنما دخلت في أمر زائد ، ثم هي غير متفاحشة فلا توجب فساد المكاتبة كجهالة الوصف بخلاف البيع إلى هذه الأوقات ، أنه يفسد ; لأن الجهالة لا توجب فساد العقد لذاتها بل لإفضائها إلى المنازعة ، والمنازعة قلما تجري في هذا القدر في المكاتبة ; لأن مبناها على المسامحة ، [ ص: 139 ] بخلاف البيع فإن مبناه على المماكسة فيفضي إلى المنازعة ، ولهذا جازت الكفالة إلى هذه الأوقات ، ولم يجز تأجيل الثمن إليها في البيع ، بخلاف nindex.php?page=treesubj&link=7466_7468المكاتبة إلى مجيء المطر وهبوب الريح ; لأنه ليس لذلك وقت معلوم ففحشت الجهالة .
فإن nindex.php?page=treesubj&link=7468كاتبه إلى العطاء فأخر العطاء فإن الأجل يحل في مثل الوقت الذي كان يخرج فيه العطاء ; لأن المراد به العرف والعادة وقت العطاء لا عين العطاء ، وكذا في الحصاد والدياس ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=7497_7473_11162_26389كاتبه على قيمته فالمكاتبة فاسدة ; لأن القيمة تختلف بتقويم المقومين فكان البدل مجهول القدر ، وإنه مجهول جهالة فاحشة ، ولهذا منعت صحة التسمية في باب النكاح حتى عدل إلى مهر المثل فتمنع صحة المكاتبة بل أولى ; لأن النكاح يجوز بدون تسمية البدل ولا جواز للمكاتبة من غير تسمية البدل ، فلما لم تصح تسمية القيمة هناك فلأن لا تصح ههنا أولى ، ولأن جهالة القيمة موجب للعقد الفاسد فكان ذكرها نصا على الفساد ، بخلاف ما إذا كاتبه على عبد ; لأن جهالة العبد جهالة الوصف ، أي جيد أو رديء أو وسط ، فعند الإطلاق يقع على الوسط والوسط معلوم عندهم ، ألا ترى أن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة جعل قيمة الوسط أربعين دينارا .
فأما nindex.php?page=treesubj&link=7473_26389المكاتبة على القيمة فليست بمكاتبة على بدل معلوم عند الناس عند إطلاق الاسم ، فصار كما nindex.php?page=treesubj&link=7473_4675_26226_7467لو كاتبه على ألف أو على ألفين .
غير أنه إذا أدى القيمة عتق ; لأن العقد الفاسد له حكم في الجملة عندنا كالبيع الفاسد إذا اتصل به القبض ، والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ، حتى يثبت الملك في البيع ، وتجب العدة والعقر ويثبت النسب في النكاح ، وكذا المكاتبة الفاسدة ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=26389قال كاتبتك على دراهم فالمكاتبة باطلة ولو أدى ثلاثة دراهم لا يعتق ; لأن البدل مجهول جهالة متفاحشة وليس للدراهم وسط معلوم حتى يقع عليه الاسم بخلاف ما إذا nindex.php?page=treesubj&link=7590قال أعتقتك على دراهم فقبل العبد عتق وتلزمه قيمة نفسه ; لأن العتق هناك وقع بالقبول ، والجهالة متفاحشة فلزمه قيمة نفسه ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=7467_6118_26389كاتبه على أن يخدمه شهرا فهو جائز استحسانا ، والقياس أن لا يجوز ، وجه القياس أن الخدمة مجهولة ; لأنها مختلفة ولا يدري في أي شيء يستخدمه وأنه يستخدمه في الحضر أو في السفر ، وجهالة البدل تمنع صحة الكتابة ، وجه الاستحسان أن الخدمة المطلقة تنصرف إلى الخدمة المعهودة فتصير معلومة بالعادة ، وبحال المولى أنه في أي شيء يستخدمه وبحال العبد أنه لأي شيء يصلح فصار كما لو عينها نصا ، ولهذا جازت الإجارة على هذا الوجه فالمكاتبة أولى ; لأنها أقبل للجهالة من الإجارة ولو nindex.php?page=treesubj&link=7467_26389كاتبه على أن يخدم رجلا شهرا فهو جائز في القياس ، كذا ذكره في الأصل ولم يرد به قياس الأصل ; لأن ذلك يقتضي أن لا يجوز لما ذكرنا وإنما أراد به القياس على الاستحسان الذي ذكرنا ويجوز القياس على موضع الاستحسان ، إذا كان الحكم في الاستحسان معقول المعنى كقياس الجماع ناسيا على قياس الأكل والشرب ناسيا ، ولأن المنافع أموال في العقود ، وأنها تصير معلومة بذكر المدة ، فلا فرق بين أن يستأجر رجلا ليخدمه أو ليخدم غيره ، وكذلك لو nindex.php?page=treesubj&link=7466_26389_6118كاتبه على أن يحفر بئرا قد سمى له طولها وعمقها ومكانها ، أو على أن يبني له دارا آجرها وجصها وما يبني بها ; لأنه كاتبه على بدل معلوم ، ألا ترى أن الإجارة عليه جائزة ؟ فالكتابة أولى ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=7497_7473_26389كاتبه على أن يخدمه ولم يذكر الوقت فالكتابة فاسدة ; لأن البدل مجهول .