الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ذكر اختلاف الفرنج بالشام ، وانحياز القمص صاحب طرابلس إلى صلاح الدين ]

كان القمص ، صاحب طرابلس ، واسمه ريمند بن ريمند الصنجيلي ، قد تزوج بالقومصة ، صاحبة طبرية ، وانتقل إليها ، وأقام عندها بطبرية .

ومات ملك الفرنج بالشام ، وكان مجذوما ، وأوصى بالملك إلى ابن أخت له ، وكان صغيرا ، فكفله القمص ، وقام بسياسة الملك وتدبيره لأنه لم يكن للفرنج ذلك الوقت أكبر منه شأنا ، ولا أشجع رأيا منه ، فطمع في الملك بسبب هذا الصغير ، فاتفق أن الصغير توفي ، فانتقل الملك إلى أمه ، فبطل ما كان القمص يحدث نفسه [ به ] .

[ ص: 18 ] ثم إن هذه الملكة هويت رجلا من الفرنج الذين قدموا الشام من الغرب اسمه كي ، فتزوجته ، ونقلت الملك إليه ، وجعلت التاج على رأسه ، وأحضرت البطرك ، والقسوس ، والرهبان ، والاسبتارية ، والداوية ، والبارونية ، وأعلمتهم أنها قد ردت الملك إليه ، وأشهدتهم عليها بذلك ، فأطاعوه ، ودانوا له .

فعظم ذلك على القمص ، وسقط في يديه ، وطولب بحساب ما جبى من الأموال مدة ولاية ذلك الصبي ، فادعى أنه أنفقه عليه ، وزاده ذلك نفورا ، وجاهر بالمشاقة والمباينة ، وراسل صلاح الدين ، وانتمى إليه ، واعتضد به ، وطلب منه المساعدة على بلوغ غرضه من الفرنج .

ففرح صلاح الدين والمسلمون بذلك ، ووعده النصرة ، والسعي له في كل ما يريد ، وضمن له أنه يجعله ملكا مستقلا للفرنج قاطبة ، وكان عنده جماعة من فرسان القمص أسرى فأطلقهم .

فحل ذلك عنده أعظم محل ، وأظهر طاعة صلاح الدين ، ووافقه على ما فعل جماعة من الفرنج ، فاختلفت كلمتهم وتفرق شملهم ، وكان ذلك من أعظم الأسباب الموجبة لفتح بلادهم ، واستنقاذ البيت المقدس منهم ، على ما نذكره إن شاء الله .

وسير صلاح الدين السرايا ناحية طبرية ، فشنت الغارات على بلاد الفرنج ، وخرجت سالمة غانمة ، فوهن الفرنج بذلك ، وضعفوا وتجرأ المسلمون عليهم ، وطمعوا فيهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية