الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير التتر الكفار إلى خوارزم شاه وانهزامه وموته

لما ملك الكفار سمرقند عمد جنكزخان ، لعنه الله ، وسير عشرين ألف فارس . وقال لهم : اطلبوا خوارزم شاه أين كان ، ولو تعلق بالسماء ، حتى تدركوه وتأخذوه .

وهذه الطائفة تسميها التتر المغربة لأنها سارت نحو غرب خراسان ليقع الفرق [ ص: 342 ] بينهم وبين غيرهم منهم . لأنهم هم الذين أوغلوا في البلاد ، فلما أمرهم جنكزخان بالمسير ساروا وقصدوا موضعا يسمى بنج آب ، ومعناه خمسة مياه ، فوصلوا إليه ، فلم يجدوا هناك سفينة ، فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار وألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماء ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم وألقوا الخيل في الماء . وأمسكوا أذنابها ، وتلك الحياض التي من الخشب مشدودة إليهم . فكان الفرس يجذب الرجل والرجل يجذب الحوض المملوء من السلاح وغيره . فعبروا كلهم دفعة واحدة ، فلم يشعر خوارزم شاه إلا وقد صاروا معه على أرض واحدة .

وكان المسلمون قد ملئوا منهم رعبا وخوفا ، وقد اختلفوا فيما بينهم ، إلا أنهم كانوا يتماسكون بسبب أن نهر جيحون بينهم ، فلما عبروه إليهم لم يقدروا على الثبات ، ولا على المسير مجتمعين ، بل تفرقوا أيدي سبا ، وطلب كل طائفة منهم جهة ، ورحل خوارزم شاه لا يلوي على شيء في نفر من خاصته ، وقصدوا نيسابور ، فلما دخلها اجتمع عليه بعض العسكر ، فلم يستقر حتى وصل أولئك التتر إليها .

وكانوا لا يتعرضون في مسيرهم لشيء لا بنهب ولا قتل بل يجدون السير في طلبه لا يمهلونه حتى يجمع لهم ، فلما سمع بقربهم منه رحل إلى مازندران ، وهي له أيضا ، فرحل التتر المغربون في أثره ، ولم يعرجوا على نيسابور بل تبعوه ، فكان كلما رحل عن منزلة نزلوها ، فوصل إلى مرسى من بحر طبرستان يعرف بباب سكون ، وله هناك قلعة في البحر ، فلما نزل هو وأصحابه في السفن وصلت التتر ، فلما رأوا خوارزم شاه وقد دخل البحر وقفوا على ساحل البحر ، فلما أيسو من لحاق خوارزم شاه رجعوا فهم الذين قصدوا الري وما بعدها على ما نذكره إن شاء الله .

هكذا ذكر لي بعض الفقهاء ممن كان ببخارى وأسروه معهم إلى سمرقند ، ثم نجا منهم ووصل إلينا . وذكر غيره من التجار أن خوارزم شاه سار من مازندران حتى وصل إلى الري ثم منها إلى همذان ، والتتر في أثره ففارق همذان في نفر يسير ، [ ص: 343 ] جريدة ، ليستر نفسه ويكتم خبره ، وعاد إلى مازندران وركب في البحر إلى هذه القلعة .

وكان هذا هو الصحيح فإن الفقيه كان حينئذ مأسورا ، وهؤلاء التجار أخبروا أنهم كانوا بهمذان ، ووصل خوارزم شاه ، ثم وصل بعده . من أخبره بوصول التتر ، ففارق همذان ، وكذلك أيضا هؤلاء التجار فارقوها ، ووصل التتر إليها بعدهم ببعض نهار ، فهم يخبرون عن مشاهدة ; ولما وصل خوارزم شاه إلى هذه القلعة المذكورة توفي فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية