الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وقعة أليس وهو على الفرات

لما أصاب خالد يوم الولجة ما أصاب من نصارى بكر بن وائل الذين أعانوا الفرس - غضب لهم نصارى قومهم ، فكاتبوا الفرس ، واجتمعوا على أليس وعليهم عبد الأسود العجلي ، وكان مسلمو بني عجل ، منهم : عتبة بن النهاس ، وسعيد بن مرة ، وفرات بن حيان ، ومذعور بن عدي ، والمثنى بن لاحق - أشد الناس على أولئك النصارى . وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه ، وهو بقشيناثا ، يأمره بالقدوم على نصارى العرب بأليس ، فقدم بهمن جاذويه جابان إليهم ، وأمره بالتوقف عن المحاربة إلى أن يقدم عليه ، ورجع بهمن جاذويه إلى أردشير ليشاوره فيما يفعل ، فوجده مريضا ، فتوقف عليه ، فاجتمع على جابان نصارى عجل ، وتيم اللات وضبيعة وجابر بن بجير وعرب الضاحية من أهل الحيرة .

وكان خالد لما بلغه تجمع نصارى بكر وغيرهم سار إليهم ولا يشعر بدنو جابان . فلما طلع جابان بأليس قالت العجم له : أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم ، ثم نقاتلهم ؟ فقال جابان : إن تركوكم فتهاونوا بهم . فعصوه وبسطوا الطعام ، وانتهى خالد إليهم وحط الأثقال ، فلما وضعت توجه إليهم ، وطلب مبارزة عبد الأسود وابن أبجر ومالك بن قيس ، فبرز إليه مالك من بينهم ، فقتله خالد وأعجل الأعاجم عن طعامهم . فقال لهم جابان : ألم أقل لكم ، والله ما دخلتني من مقدم جيش وحشة إلا هذا ؟ وقال لهم : حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام ، فإن ظفرتم فأيسر هالك ، وإن [ ص: 238 ] كانت لهم هلكوا بأكله . فلم يفعلوا ، واقتتلوا قتالا شديدا ، والمشركون يزيدهم ثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه ، فصابروا المسلمين ، فقال خالد : : اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم .

فانهزمت فارس فنادى منادي خالد : الأسراء الأسراء إلا من امتنع فاقتلوه . فأقبل بهم المسلمون أسراء ، ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة . فقال له القعقاع وغيره : لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم ، فأرسل عليها الماء تبر يمينك ، ففعل ، وسمي نهر الدم ، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين : قد نفلتكموه ، فتعشى به المسلمون ، وجعل من لم ير الرقاق يقول : ما هذه الرقاع البيض ؟ !

وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ، وكانت الوقعة في صفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية