الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا الحسين بن علي بن الوليد الفسوي ، ثنا أحمد بن حاتم ، ثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي ، ثنا عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة ، حدثني سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إن الدين الذي تطلب إنما هو قبل المغرب ، فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل ، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة - أو في صومعة - فأتيته ، فقلت : إني رجل من المشرق ، وقد جئت في طلب الخير ، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك وتعلمني مما علمك الله ؟ قال : نعم ، فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجرى عليه من الحبوب والخل والزيت ، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي . قال : ما يبكيك ؟ قلت : انقطعت من بلادي في طلب [ ص: 191 ] الخير ، فرزقني الله تعالى صحبتك ، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أذهب ؟ قال : بلى ، أخ لي بمكان كذا وكذا فائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه واصحبه ، فإنه على الحق ، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي ، قلت : إن أخاك فلانا يقرئك السلام ، قال : وعليه السلام ، ما فعل ؟ قلت : هلك ، وقصصت عليه قصتي ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته ، فقبلني وأحسن صحبتي ، وأجرى علي مثل ما كان يجرى علي عند الآخر ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : أقبلت من بلادي فرزقني الله تعالى صحبة فلان فأحسن صحبتي ، وعلمني مما علمه الله ، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك ، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه ؟ قال : بلى ، أخ لي على درب الروم ، ائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته فاصحبه فإنه على الحق ، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي ، فقلت : إن أخاك فلانا يقرئك السلام ، قال : وعليه السلام ، ما فعل ؟ قلت : هلك ، وقصصت عليه قصتي وأخبرته أنه أمرني بصحبتك فقبلني ، وأحسن صحبتي ، وعلمني مما علمه الله عز وجل . فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت : رزقني الله عز وجل صحبتك وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟ قال : لا أين ، إنه لم يبق على دين عيسى ابن مريم عليه السلام أحد من الناس أعرفه ، ولكن هذا أوان - أو إبان - نبي يخرج - أو قد خرج - بأرض تهامة ، فالزم قبتي ، وسل من مر بك من التجار - وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم - وسل من قدم عليك من أهل الحجاز هل خرج فيكم أحد يتنبأ ، فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام ، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، قال : فقبض الرجل ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم ، حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم ؟ قالوا : من الحجاز ، فقلت : هل خرج فيكم أحد يزعم أنه نبي ؟ قالوا : نعم ، قلت : هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن يحملني [ ص: 192 ] عقبه ويطعمني الكسرة حتى يقدم بي مكة ، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك ، قال رجل من القوم : أنا ، فصرت عبدا له فجعل يحملني عقبه ، ويطعمني من الكسرة حتى قدمت مكة ، فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان ، فخرجت خرجة فطفت مكة ، فإذا امرأة من أهل بلادي ، فسألتها وكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم ، وسألتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يجلس في الحجر - إذا صاح عصفور مكة - مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا . قال : فجلست أختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي ، قالوا : ما لك ؟ قلت : أشتكي بطني ، فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه ، فجئته من خلفه صلى الله عليه وسلم فعرف الذي أريد ، فأرسل حبوته فسقطت ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، قلت في نفسي : الله أكبر ، هذه واحدة ، فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثل ما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني أصحابي ، فجمعت شيئا من تمر ، فلما كانت الساعة التي يجلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم أتيته ، فوضعت التمر بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : صدقة ، قال : لأصحابه : كلوا ولم يمد يديه . قال : قلت في نفسي : الله أكبر ، هذه ثنتان ، فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئا من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه ، قال : ما هذا ؟ قلت : هدية ، فأكل وأكل القوم ، قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصتي فأخبرته . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق فاشتر نفسك ، فأتيت صاحبي فقلت : بعني نفسي . قال : نعم ، أبيعك نفسك بأن تغرس لي مائة نخلة إذا أنبتت وتبين ثباتها ، أو نبتت وتبين نباتها ، جئتني بوزن نواة من ذهب . فأتيت النبي [ ص: 193 ] صلى الله عليه وسلم فأخبرته . قال : ( فأعطه الذي سألك ، وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقي - أو تسقي به - ذلك النخل ) قال : فانطلقت إلى الرجل فابتعت منه نفسي فشرطت له الذي سألني ، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقي به ذلك النخل ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، فانطلقت فغرست به ذلك النخل . فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة . فلما تبين ثبات النخل - أو نبات النخل - أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه قد تبين ثبات النخل - أو نباته - فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوزن نواة من ذهب فأعطانيها ، فذهبت بها إلى الرجل في كفة الميزان ، ووضع له نواة في الجانب الآخر ، فوالله ما قلت من الأرض . فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : ( لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه ) فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكنت معه . رواه الثوري عن عبيد المكتب مختصرا . ورواه السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل مطولا .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو حبيب يحيى بن نافع المصري ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا ابن لهيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، ثنا السلم بن الصلت العبدي عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه ، قال : كنت رجلا من أهل جي - مدينة أصبهان - فبينا أنا ، إذ ألقى الله تعالى في قلبي : من خلق السماوات والأرض ؟ فانطلقت إلى رجل لم يكن يكلم الناس يتحرج ، فسألته : أي الدين أفضل ؟ فقال : ما لك ولهذا الحديث ، أتريد دينا غير دين أبيك ؟ قلت : لا ! ولكن أحب أن أعلم من رب السماوات والأرض وأي دين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا على هذا غير راهب بالموصل ، قال : فذهبت إليه ، فكنت عنده فإذا هو قد أقتر عليه في الدنيا ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل ، فكنت أعبد كعبادته ، فلبثت عنده ثلاث سنين ثم توفي . فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : ما أعلم أحدا من [ ص: 194 ] أهل المشرق على ما أنا عليه ، فعليك براهب وراء الجزيرة فأقرئه مني السلام . قال : فجئته فأقرأته منه السلام وأخبرته أنه قد توفي ، فمكثت أيضا عنده ثلاث سنين ثم توفي . فقلت : إلى من تأمرني أن أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمورية ، شيخ كبير ، وما أرى تلحقه أم لا ، فذهبت إليه فكنت عنده ، فإذا رجل موسع عليه ، فلما حضرته الوفاة ، قلت له : أين تأمرني أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه ، ولكن إن أدركت زمانا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم عليه السلام - وما أراك تدركه - وقد كنت أرجو أن أدركه ، فإن استطعت أن تكون معه فافعل ؛ فإنه الدين ، وأمارة ذلك أن قومه يقولون : ساحر مجنون كاهن ، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وأن عند غضروف كتفه خاتم النبوة . قال : فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة . فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن من أهل المدينة ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا ، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم فقدم علينا وقومه يقاتلونه ، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا ، ولكنه قد ملك المدينة . قال : فقلت : ما يقولون فيه ؟ قال : يقولون : ساحر مجنون كاهن ، فقلت : هذه الأمارة ، دلوني على صاحبكم ، فجئته فقلت : تحملني إلى المدينة ؟ فقال : ما تعطيني ؟ قلت : ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد ، فحملني ، فلما قدمت جعلني في نخله ، فكنت أسقي كما يسقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تسقي ، فكلمتها ففهمت كلامي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج ؟ دليني عليه ، قالت : سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار ، فخرجت فجمعت تمرا ، فلما أصبحت جئت ثم قربت إليه التمر ، فقال : ( ما هذا : أصدقة أم هدية ؟ ) فأشرت أنه صدقة . فقال : ( انطلق إلى هؤلاء ) وأصحابه عنده ، فأكلوا ولم يأكل ، فقلت : هذه الأمارة ، فلما كان من الغد جئت بتمر ، فقال : ( ما هذا ؟ ) فقلت : هذه هدية ، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا ، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم ، فعرف فألقى رداءه ، فأخذت أقبله وألتزمه . فقال : [ ص: 195 ] ( ما شأنك ؟ ) فسألني فأخبرته خبري . فقال : ( اشترطت لهم أنك عبد ، فاشتر نفسك منهم ) فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيي له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبا ، ثم هو حر . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغرس ) فغرس ( ثم انطلق فألق الدلو على البئر ثم ترفعه حين يرتفع ، فإنه إذا امتلأ ارتفع ، ثم رش في أصولها ) ففعل فنبت النخل أسرع النبات . فقالوا : سبحان الله ، ما رأينا مثل هذا العبد ! إن لهذا العبد لشأنا . فاجتمع عليه الناس فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تبرا ، فإذا فيه أربعون أوقية .

              ورواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن سلمان ، وقال : كنت فارسيا من أهل أصبهان من قرية جي .

              ورواه داود بن أبي هند ، عن سماك ، عن سلامة العجلي ، عن سلمان ، بطوله . وقال : كنت من أهل رامهرمز .

              ورواه سيار ، عن موسى بن سعيد الراسبي ، عن أبي معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان ، بطوله .

              ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان .

              حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد ، ثنا محمد بن محمد بن سليمان ، ثنا عبد الله بن العباس بن البختري ، حدثني خالد بن الحباب ، ثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أنه قال : قد تداولني بضعة عشر ، من رب إلى رب .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية