الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا محمد بن علي بن مسلم ، ثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، ثنا سعيد بن عامر ، ثنا جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : وافقت ربي عز وجل في ثلاث ، في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر .

              رواه حميد ، وعلي بن زيد ، والزهري ، عن أنس ، مثله .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، ثنا أبو نوح قراد ، ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا سماك أبو زميل ، قال : حدثني ابن عباس ، قال : حدثني عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما - قال : لما كان يوم بدر فهزم الله المشركين ، فقتل منهم سبعون ، وأسر منهم سبعون ، استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا رضوان الله عليهم ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " [ ص: 43 ] قال : فقلت : أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه ، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم ، وأئمتهم وقادتهم ، فلم يهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قلت ، فأخذ منهم الفداء . قال عمر : فلما كان من الغد غدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر ، وإذا هما يبكيان ، فقلت : يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الذي عرض على أصحابك من الفداء ، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " لشجرة قريبة ، فأنزل الله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) إلى قوله تعالى : ( لمسكم فيما أخذتم ) - من الفداء ( عذاب عظيم ) ، ثم أحل لهم الغنائم ، فلما كان يوم أحد من العام المقبل ، عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل سبعون ، وفر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله عز وجل : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) - بأخذكم الفداء - ( إن الله على كل شيء قدير )

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن شعيب الأصبهاني ، ثنا أحمد بن أبي سريح الرازي ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسر الأسرى يوم بدر استشار أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قال : قومك وعترتك فخل سبيلهم ، فاستشار عمر - رضي الله تعالى عنه - فقال : اقتلهم ، ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) الآية . فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر فقال : " كاد أن يصيبنا في خلافك شر " .

              حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، ثنا الحسن بن سفيان ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، قال : سمعت عمر - رضي الله تعالى عنه - يقول : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول ، دعي رسول الله - صلى [ ص: 44 ] الله عليه وسلم - إلى الصلاة عليه ، فلما قام يريد الصلاة عليه تحولت فقلت : يا رسول الله ، أتصلي على عدو الله ابن أبي ابن سلول القائل يوم كذا كذا ؟ فجعلت أعدد أيامه ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتسم حتى أكثرت ، فقال : " أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت ، قد قيل : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) فلو أعلم أني إذا زدت على السبعين غفر له لزدت " . ثم صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشى معه ، حتى قام على قبره وفرغ من دفنه . فعجبا لي ولجرأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ورسوله أعلم . فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) الآية . فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها على منافق حتى قبضه الله عز وجل .

              قال الشيخ رحمه الله : فأخلى همه في مفارقة الخلق ، فأنزل الله تعالى الوحي في موافقته للحق ، فمنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليهم ، وصفح عمن أخذ الفداء منهم لسابق علمه منهم ، وطوله عليهم . وكذا سبيل من اعتقد في المفتونين الفراق ، أن يؤيد في أكثر أقاويله بالوفاق ، ويعصم في كثير من أحواله وأفاعيله من الشقاق ، وكان للرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته ووفاته مجامعا ، ولما اختار له في يقظته ومنامه متابعا ، يقتدي به في كل أحواله ، ويتأسى به في جميع أفعاله ، وقد قيل : إن التصوف استقامة المناهج ، والتطرق إلى المباهج .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية